يتصدى للتفسير القرآني، إذ يدخل في تحديد المراد من النصوص القرآنية وهذا ما أكده العلماء وقالوا "لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف من الناسخ والمنسوخ وقد رويت كثير من الأخبار عن الصحابة" (١).
ومن الكثيرين الذين بحثوا في الناسخ والمنسوخ أكدوا على أهمية هذا العلم في فهم مراد الله تعالى من نصوص القرآن الكريم وهو يعد علما من الواجب على العالم معرفته حتى يكون بحثه في هذا العلم رصينا وموافقا لما أمر به سبحانه وتعالى.
يقول مكي بن أبي طالب بهذا الخصوص: "وأن من أكد ما عني أهل العلم والقرآن بفهمه، وحفظه والنظر فيه من علوم القرآن وسارعوا إلى البحث عن فهمه وعلم أصوله، علم ناسخ القرآن ومنسوخه فهو علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهله" (٢).
وللنسخ أهمية كبيرة في مجال العرض على القرآن الكريم فمع ثبوت النسخ في بعض من الآيات القرآنية لا يمكن الرجوع إليها في تفسير الآيات الكريمة الأخرى.
فالزركشي يقول في هذا الشأن: "إن العلم بالناسخ والمنسوخ عظيم الشأن وقد صنف به جماعة كثيرون" (٣).
وقال الزرقاني: "أنه طويل الذيل، كثير التفاريع، متشعب المسالك.. المسائل التي يتناوله دقيقة، إذن على الباحث الذي يتناول النسخ أن يكون يقضا ودقيقا وأن يتصف بحسن الاختيار.. والنسخ يكشف النقاب عن مسيرة التشريع الإسلامي، ويصبح الإنسان مطلعا على حكمة الله تعالى في تربيته للخلق وسياسته للبشر وابتلائه للناس وهذا ما يدل باليقين والتواتر على أن الرسالة الإسلامية هي من الله تعالى العزيز الحكيم.... إن معرفة الناسخ والمنسوخ يعد ركنا مهما وعظيما في فهم الإسلام، وفي الاهتداء إلى صحيح الإسلام" (٤).
ثامنا: - القراءات
فالقرآن الكريم، كتاب الله الخالد، ومعجزة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، التى لا تفنى إلى الأبد. وهو كتاب منتظم الآيات، متعاضد الكلمات، لا نفور فيه ولا تعارض، ولا تضاد ولا تناقض، صدق كلها أخباره، عدل كلها أحكامه، وصدق الله إذا يقول: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾ [الأنعام: ١١٥]، هذه الآية تنفى عن القرآن الكريم التناقض فى معانيه ومبانيه، أما من جهة المعنى، فلا تجد آية تثبت معنى تنقضه آية سواها، ولا يَرِد على ذلك الناسخ والمنسوخ، فإن ذلك ليس من التناقض ولا من الاختلاف فى شئ، لأن النسخ رفع لحكم، وإثبات لآخر، فالباقى إذن حكم واحد هو المحصلة النهائية، فليس ثمت ما يعارضه، ولا يرد على ذلك أيضاً موهم الاختلاف، فإنه متناقض فى نظر من لا نظر له، لكن عند التدبر يتم التوفيق والالتئام، ولا يرد على ذلك أيضاً الاختلاف بين قراءاته، فهو اختلاف تلازم وتنوع، وليس اختلاف تضاد وتناقض، ولذلك فإن القراء لم يعترض بعضهم على بعض، فالكل صحيح ما دام مستوفياً لشروطه، كما سيأتى ذلك فى محله إن شاء الله تعالى، ولا يرد على ذلك الاختلاف حول تفسيره، أو وجوه إعرابه، أو معانى لغاته، لأن ذلك ليس اختلاف

(١) انظر: فهم القرآن، الحارث المحاسبي ص ٣٢٧ ظ، الناسخ والمنسوخ النحاس ص ٥٠٤ ظ، تلخيص التمهيد/ محمد هادي معرفة: ١/ ٤١٧.
(٢) الإيضاح، مكي طالب: ٤٥ ـ ٤٦.
(٣) البرهان / الزركشي/ ٢/ ٣٣.
(٤) مناهل العرفان في تفسير القرآن / الزر قاني ٢/ ٦٩ ـ ٧٠.


الصفحة التالية
Icon