وعن بن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من شرك في دم حرام بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله" (١).
قال سفيان بن عيينة: "هو أن يقول: أق، يعني: لا يتم كلمة (اقتل) " (٢).
فإن ثبت أن العرب كانت تأتي في كلامها بحرف وتريد به معنى كان في هذا القول قوة ووجاهة (٣).
القول الرابع: أن هذه الأحرف أسماء للسور التي جاءت فيها (٤)
وذهب بعضهم إلى أن فاتحة كل سورة اسم للسورة التي افتتحت بها، وذلك أن الأسماء وضعت للتمييز، فكذا هذه الحروف وضعت لتمييز هذه السور عن غيرها.
من الذين قالوا بذلك: الزمخشري (٥)، والرازي (٦) واختاره سيبويه (٧).
فعن أُبَي بن كعب تعالى أنه قال لماسُئِل عن هذه الحروف: إنما هي أسماء السور (٨).
وقد نسب الزمخشري والبيضاوي هذا الوجه إلى أكثر العلماء (٩)، كما عزاه الفخر الرازي إلى أكثر المتكلمين والمحققين (١٠).
وإن أشكل ذلك على أحد فقال: كيف يكون ذلك كذلك وقد افتتحت سور كثيرة بـ ﴿الم﴾ ﴿حم﴾ والمقصود رفع الاشتباه، لأن الأسماء إنما تكون أمارات إذا كانت مميزة بين الأشخاص، فأما إذا كانت غير مميزة فليست أمارات؟.
فالجواب: أن بعض الأسماء ـ وإن كانت مشتركة ـ إلا أنها تميز ببعض النعوت الأخرى، فيقول المخبر عن نفسه: قرأت ﴿الم﴾ البقرة، أو قرأت ﴿الم﴾ آل عمران؛ كما لو أراد الخبر عن رجلين اسم كل واحد منهما عمرو غير أن أحدهما عراقي والآخر مصري لزمه أن يقول: لقيت عمراً العراقي، أو عمراً المصري (١١).
وقد استدل القائلون بهذا القول بأدلة منها:
أولاً: ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة ﴿الم * تنزيل، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان: ١] (١٢).
ثانياً: أن ذلك أمر فاش في العرب الذين نزل القرآن بلغتهم وعلى لسانهم، فقد سَمَّت العرب بهذه الحروف أشياء وأشخاص، فسموا بلام والد حارثة بن لام الطائي، وكقولهم للنحاس: صاد، وللنقد عين، وللسحاب غين، وقالوا: جبل قاف، وسموا الحوت نوناً (١٣).
ويعضد ذلك كون هذه الحروف واقعة في أوائل السور، فتكون هذه الحروف قد جعلت أسماءً بالعلامة على تلك السورة وسميت بها كما تقول الكراسة (ب) والرزمة (ج) (١٤).
ولقد اعترض بعضهم على هذا القول، وقالوا: إن هذه الألفاظ ليست أسماءً للسور وساقوا أدلة على ذلك وإليك أدلتهم:
(٢) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٣٨.
(٣) انظر تفسير الطبري ١/ ٧٠، والسمعاني ١/ ٤١، والبغوي ١/ ٤٤، وابن عطية ١/ ٨٢، وابن الجوزي ١/ ٢١، والقرطبي ١/ ١٥٥.
(٤) انظر جامع البيان ١/ ٦٧، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٣٧، وإرشاد العقل السليم ١/ ٢١.
(٥) ينظر: الكشاف: ١/ ٨٣.
(٦) التفسير الكبير: ٢/ ٧.
(٧) ينظر: الكتاب، أبو بشر عمر بن عثمان سيبويه، مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، ط ٢، ١٩٦٧: ٢/ ٣٤ - ٣٥.
(٨) أخرجه الطبري في تفسيره ١/ ٦٧.
(٩) انظر الكشاف ١/ ٧٢، وأنوار التنزيل ١/ ٨٦ و ٨٧.
(١٠) انظر مفاتيح الغيب ٢/ ٢٥٢ و ٢٥٤.
(١١) انظر جامع البيان ١/ ٧٠، وروح المعاني ١/ ٩٨.
(١٢) أخرجه البخاري في صحيحه ١/ ٣٠٣، كتاب: الجمعة، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، برقم (٨٥١)، ومسلم في صحيحه ٢/ ٥٩٩، كتاب: الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة، برقم (٨٨٠)، وابن ماجة في سننه ١/ ٢٦٩، كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: القراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة، برقم (٨٢٣).
(١٣) انظر مفاتيح الغيب ٢/ ٢٥٣، وروح المعاني ١/ ٩٨.
(١٤) انظر: التحرير والتنوير: ١/ ٢١٠.