﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)﴾ [آل عمران: ٩٠]
التفسير:
إن الذين كفروا بعد إيمانهم واستمروا على الكفر إلى الممات لن تُقبل لهم توبة عند حضور الموت، وأولئك هم الذين ضلُّوا السبيل، فأخطَؤُوا منهجه.
في سبب نزول الآية اقوال:
أحدها: قال الحسن (١) وقتادة (٢) وعطاء الخراساني (٣): نزلت هذه الآية في اليهود، كفروا بعيسى -عليه السلام- والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم وكتبهم، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ﷺ والقرآن.
والثاني: وقال أبو العالية (٤): نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد ﷺ لما رأوه وعرفوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم، ثم ازدادوا ذنوبا في حال كفرهم.
والثالث: وقال مجاهد (٥): نزلت في الكفار كلهم، أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم، ﴿ثم ازدادوا كفرا﴾، أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه.
والرابع: ونقل ابن حجر عن ابن الكلبي أنها: "نزلت في الأحد عشر رفقة الحارث بن سويد لما رجع الحارث قالوا: نقيم بمكة ما بدا لنا فمتى أردنا رجعنا فنزل فينا ما نزل في الحارث، فلما افتتحت مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلت توبته ونزلت فيمن مات منهم كافرا هذه الآية" (٦). ونقل مقاتل نحو ذلك (٧).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٩٠]، أي: إن الذين ارتدوا عن الإسلام إلى الكفر" (٨).
قال الطبري: أي: "إن الذين كفروا من اليهود بمحمد ﷺ عند مَبعثه، بعد إيمانهم به قبل مبعثه" (٩).
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠]، " أي: استمروا على الكفر إلى الممات" (١٠).
قال ابن أبي زمنين: " أي: ماتوا على كفرهم" (١١).
قال السمرقندي: " أي ثبتوا على كفرهم بقولهم: نقيم بمكة ما بدا لنا" (١٢).
قال السعدي: أي: " ثم ازداد كفرا إلى كفره بتماديه في الغي والضلال، واستمراره على ترك الرشد والهدى" (١٣).
قوله تعالى: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠]، " أي: لا تقبل منهم توبة ما أقاموا على الكفر" (١٤).
قال السعدي: " أي: لا يوفقون لتوبة تقبل بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، قال تعالى ﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة﴾ ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم﴾ فالسيئات ينتج بعضها بعضا، وخصوصا لمن أقدم على الكفر العظيم وترك الصراط المستقيم، وقد قامت عليه الحجة ووضح الله له الآيات والبراهين، فهذا هو الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة" (١٥).

(١) انظر: تفسير الطبري (٧٣٧٢): ص ٦/ ٥٧٨.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٧٣٧٣): ص ٦/ ٥٧٨ - ٥٧٩.
(٣) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٠٨.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٧٣٧٧) - (٧٣٨١): ص ٦/ ٥٧٩ - ٥٨٠، وتفسير ابن أبي حاتم (٣٧٩٩): ص ٢/ ٧٠١.
(٥) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٠٨.
(٦) العجاب: ٢/ ٧١٣ - ٧١٤. وعلى هذا أن الآية تأخر نزولها إلى ما بعد فتح مكة! مثل هذا يحتاج إلى دليل صحيح.
(٧) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٨٨ - ٢٨٩.
(٨) أيسر التفاسير، للجزائري: ١/ ٣٤٤.
(٩) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨١.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٧١.
(١١) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ٣٠٢.
(١٢) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٣٠.
(١٣) تفسير السعدي: ١/ ١٣٧.
(١٤) صفوة التفاسير: ١٩٦.
(١٥) تفسير السعدي: ١/ ١٣٧.


الصفحة التالية
Icon