ولأهل التفسير في قوله تعالى: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠]، وجهان:
احدهما: لأنهم: تابوا من بعض ولم يتوبوا من الأصل. وهذا قول أبي العالية (١).
والثاني: أنهم ازدادوا كفرا حين حضرهم الموت، فـ ﴿لن تقبل توبتهم﴾ حين حضرهم الموت. وهذا قول قتادة (٢)، وعطاء (٣)، والحسن (٤).
قال القاسمي: " وقد أشكل على كثير قوله تعالى لن تقبل توبتهم مع أن التوبة عند الجمهور مقبولة كما في الآية قبلها، وقوله سبحانه: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده﴾ [الشورى: ٢٥]، وغير ذلك.
فأجابوا: بأن المراد عند حضور الموت. قال الواحدي في (الوجيز): «لن تقبل توبتهم لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت، وتلك التوبة لا تقبل» (٥) - انتهى-، أي كما قال تعالى: ﴿وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت﴾ [النساء: ١٨]، الآية. وقيل عدم قبول توبتهم كناية عن عدم توبتهم أي لا يتوبون، كقوله: ﴿أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ [البقرة: ٦]. وإنما كنى بذلك تغليظا في شأنهم وإبرازا لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة، وقيل: لأنهم توبتهم لا تكون إلا نفاقا لارتدادهم وازديادهم كفرا. وبقي للمفسرين وجوه أخرى، هي في لتأويل أبعد مما ذكر. ولا أرى هذه الآية إلا كآية النساء: ﴿إن الذين آمنوا ثم كفروا﴾ إلخ. وكلاهما مما يدل صراحة على أن من تكررت ردته لا تقبل توبته، وإلى هذا ذهب إسحاق وأحمد كما قدمنا، وذلك لرسوخه في الكفر" (٦).
قوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠]، أي: وأولئك هم" الخارجون عن منهج الحق إِلى طريق الغي" (٧).
قال الطبري: أي: " هم الذين ضلوا سبيل الحقّ فأخطأوا منهجه، وتركوا نِصْف السبيل وهُدَى الدين، حَيرةً منهم، وعَمىً عنه" (٨).
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على اقوال:
أحدها: أن المراد: ﴿إن الذين كفروا﴾ ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا﴾ بكفرهم بمحمد، ﴿لن تقبل توبتهم﴾، عند حُضور الموت وحَشرجته بنفسه. وهذا قول الحسن (٩)، وقتادة (١٠).
والثاني: أن المعنى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد، بعد إيمانهم بأنبيائهم، ﴿ثم ازدادوا كفرًا﴾، يعني: ذنوبًا، ﴿لن تقبل توبتهم﴾، من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون. قاله أبو العالية (١١).
والثالث: أن معنى ذلك: إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم، ﴿ثم ازدادوا كفرًا﴾، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، حتى هلكوا وهم عليه مقيمون، ﴿لن تقبل توبتهم﴾، لن تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم، لكفرهم الآخِر وموتهم. وهذا قول عكرمة (١٢).
والرابع: أن معنى قوله: ﴿ثم ازدادوا كفرًا﴾، ماتوا كفارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى ﴿لن تقبل توبتهم﴾، لن تقبل توبتهم عند موتهم. وهذا قول السدي (١٣).
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٠٤): ص ٢/ ٧٠٢.
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٠٤): ص ٢/ ٧٠٢.
(٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٠٤): ص ٢/ ٧٠٢.
(٥) الوجيز: ٢٢٢.
(٦) محاسن التأويل: ٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩.
(٧) صفوة التفاسير: ١٩٦.
(٨) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨٣.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٧٣٧٢): ص ٦/ ٥٧٨.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٧٣٧٣) - (٧٣٧٥): ص ٦/ ٥٧٨ - ٥٧٩.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٣٧٦) - (٧٣٧٩): ص ٦/ ٥٧٩ - ٥٨١.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٧٣٨٢): ص ٦/ ٥٨١.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٣٨٣): ص ٦/ ٥٨١.