إلى ما رُشى. فأما من له الدنيا والآخرة، فكيف يقبل الفدية، وهو خلاق كل فدية افتدَى بها مفتدٍ منْ نفسه أو غيره؟ " (١).
روي عن أنس بن مالك: "أن نبي الله ﷺ كان يقول: يُجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيتَ لو كان لك ملءُ الأرض ذهبًا، أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم! قال فيقال: لقد سُئلت ما هو أيسرُ من ذلك! فذلك قوله: ﴿إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفارٌ فلن يُقبل من أحدهم ملءُ الأرض ذهبًا ولو افتدى به﴾ " (٢).
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩١]، أي: هؤلاء لهم عند الله في الآخرة عذابٌ موجع" (٣).
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٩١]، " أي ما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم عقابه" (٤).
قال الطبري: " وما لهم من قريب ولا حميم ولا صديق ينصره، فيستنقذه من الله ومن عذابه كما كانوا ينصرونه في الدنيا على من حاول أذَاه ومكروهه" (٥).
قال ابن كثير: " أي: وما لهم من أحد يُنْقِذهم من عذاب الله، ولا يجيرهم من أليم عقابه" (٦).
الفوائد:
١ - أن من مات على الكفر فلن يقبل منه شيء يمنعه من عذاب الله.
٢ - أن الأمر يسير على المؤمن لأنه يفتدي من عذاب الله بما هو أقل من ملء الأرض ذهبا، فإنه إذا آمن وقام بالعمل الصالح، وادى الواجبات نجا من هذا العذاب مع أقل بكثير من ملء الأرض ذهبا.
٣ - إثبات العذاب لهؤلاء الكفار، وأن هذا العذاب عذاب شديد مؤلم.
٤ - أن هذا الألم ألم بدني وألم نفسي، لأنهم مع العذاب الشديد العظيم على البدن يعذبون عذابا نفسيا، وذلك بالتوبيخ والإهانة.
٥ - أنه لا ناصر لهؤلاء الكفار، حتى آلهتهم التي يعبدونها من دون الله تلقى في نار جهنم إهانة لها وإذلالا لها وإهانة لعابديها وإذلالا لهم.
القرآن
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)﴾ [آل عمران: ٩٢]
التفسير:
لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون، وأي شيء تتصدقوا به مهما كان قليلا أو كثيرًا فإن الله به عليم، وسيجازي كل منفق بحسب عمله.
قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]، " أي: لن تكونوا من الأبرار ولن تدركوا الجنة حتى تنفقوا من أفضل أموالكم" (٧).
قال الطبري: أي: "لن تنالوا –أيها المؤمنون- جنة ربكم، حتّى تتصدقوا مما تحبون من نفيس أموالكم" (٨).
قال الحسن: يعني: "من المال" (٩).
قال قتادة: " يقول: لن تنالوا برَّ ربكم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوَوْن من أموالكم" (١٠).
وفي تفسير ﴿البرّ﴾ [آل عمران: ٩٢]، أقوال:
أحدها: أنه الجنة. قاله ابن عباس (١١)، ومجاهد (١٢)، وعمر بن ميمون (١٣)، والسدّي (١٤).

(١) تفسير الطبري: ٥/ ٥٨٤ - ٥٨٥.
(٢) أخرجه الطبري (٧٣٨٤): ص ٦/ ٥٨٥.
(٣) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨٥.
(٤) صفوة التفاسير: ١٩٦.
(٥) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨٥.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ٧٣.
(٧) صفوة التفاسير: ١٩٨.
(٨) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨٧.
(٩) أخرجه الطبري (٧٣٩٠): ص ٦/ ٥٨٨.
(١٠) أخرجه الطبري (٧٣٨٩): ص ٦/ ٥٨٧ - ٥٨٨.
(١١) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٠٩.
(١٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٠٩.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٣٨٦): ص ٦/ ٥٨٧.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٧٣٨٨): ص ٦/ ٥٨٧.


الصفحة التالية
Icon