والثاني: انه الطاعة. قاله عطاء (١).
والثالث: أنه الخير. قاله أبو روق (٢).
والرابع: انه التقوى. قاله مقاتل بن سليمان (٣).
والخامس: ان المعنى: لن تكونوا أبرارا. قاله الحسن (٤).
قال الطبري: " قال كثير من أهل التأويل ﴿البر﴾: الجنة (٥)، لأن بر الربّ بعبده في الآخرة، إكرامه إياه بإدخاله الجنة" (٦).
قال مجاهد: " كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أنْ يبتاع له جارية من جَلولاء يوم فُتحت مدائن كسرى في قتال سَعد بن أبي وقاص، فدعا بها عمر بن الخطاب فقال: إن الله يقول: ﴿لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون﴾، فأعتقها عمر وهي مثْل قول الله عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [سورة الإنسان: ٨]، و ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [سورة الحشر: ٩] " (٧).
وقال أنس بن مالك: "لما نزلت هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، أو هذه الآية: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [سورة البقرة: ٢٤٥ الحديد: ١١]، قال أبو طلحة، يا رسول الله، حائطي الذي بكذا وكذا صَدَقة، ولو استطعت أن أجعله سرًّا لم أجعله علانية! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلها في فقراء أهلك" (٨).
وعن عمرو بن دينار قال: "لما نزلت هذه الآية: ﴿لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون﴾، جاء زيدٌ بفرس له يقال له: " سَبَل " إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تصدَّق بهذه يا رسول الله. فأعطاها رسول الله ﷺ ابنه أسامة بن زيد بن حارثة، فقال: يا رسول الله، إنما أردت أن أتصدّق به! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قُبلتْ صَدَقتك" (٩).
قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩٢]، أي: " ومهما تنفقوا من شيء فتتصدقوا به من أموالكم، فإن الله ذو علم بذلك كله، فيجازي صاحبه عليه في الآخرة" (١٠).
قال قتادة: " يقول: محفوظٌ لكم ذلك، اللهُ به عليمٌ شاكرٌ له" (١١).
قال مقاتل بن سليمان: " يعنى: عالم به، يعنى: بنياتكم" (١٢).
قال الثعلبي: " أي فإنّ الله يجازي عليه لأنّه إذا علمه جازى عليه" (١٣).
الفوائد:
١ - الحث على الإنفاق مما يحبه الإنسان.
٢ - إثبات الأسباب، لأن الله أثبت للبر سببا وهو الانفاق مما نحب.
٣ - عموم علم الله عزّ وجل، لقوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.
(٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٠٩.
(٣) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٠.
(٤) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٠٩.
(٥) قاله السدي وعمرو بن ميمون. انظر: تفسير الطبري (٧٣٨٦) - (٧٣٨٨): ص ٦/ ٥٨٧.
(٦) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨٧.
(٧) أخرجه الطبري (٧٣٩٢): ص ٦/ ٥٨٨.
(٨) أخرجه الطبري (٧٣٩٤): ص ٦/ ٥٨٩. والحديث رواه أحمد في المسند: (١٢١٧٠).
(٩) أخرجه الطبري (٧٣٩٧): ص ٦/ ٥٩٢.
(١٠) تفسير الطبري: ٦/ ٥٨٨.
(١١) أخرجه الطبري (٧٣٩١): ص ٦/ ٥٨٨.
(١٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٠.
(١٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ١١١.