٤ - إثبات الجزاء، وأن كل انسان سيجازي بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
٥ - جواز إنفاق المرء جميع ماله، بناء على أن ﴿من﴾ للجنس، وهي مسألة اختلف فيه العلماء، والأفضل أن لاتتصدق بجميع المال، لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس" (١).
القرآن
﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)﴾ [آل عمران: ٩٣]
التفسير:
كل الأطعمة الطيِّبة كانت حلالا لأبناء يعقوب عليه السلام إلا ما حرَّم يعقوب على نفسه لمرض نزل به، وذلك مِن قبل أن تُنَزَّل التوراة. فلما نُزِّلت التوراة حرَّم الله على بني إسرائيل بعض الأطعمة التي كانت حلالا لهم; وذلك لظلمهم وبغيهم. قل لهم -أيها الرسول-: هاتوا التوراة، واقرؤوا ما فيها إن كنتم محقين في دعواكم أن الله أنزل فيها تحريم ما حرَّمه يعقوب على نفسه، حتى تعلموا صدق ما جاء في القرآن من أن الله لم يحرم على بني إسرائيل شيئًا من قبل نزول التوراة، إلا ما حرَّمه يعقوب على نفسه.
في سبب نزول الآية أقوال:
احدها: قال السدي: " " قالت اليهود: إنما نحرِّم ما حرّم إسرائيل على نفسه، وإنما حرّم إسرائيل العرُوق (٢)، كان يأخذه عِرق النَّسا، كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار، فحلف لئْن الله عافاه منه لا يأكل عِرْقًا أبدًا، فحرّمه الله عليهم ثم قال: ﴿قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين﴾، ما حرَّم هذا عليكم غيري ببغيكم، فذلك قوله: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [سورة النساء: ١٦٠] " (٣).
والثاني: وقال الضحاك: " إسرائيل هو يعقوب، أخذه عرق النسا فكان لا يَبيتُ الليل من وجعه، وكان لا يؤذيه بالنهار، فحلف لئن شفاهُ الله لا يأكل عِرْقًا أبدًا، وذلك قبل نزول التوراة على موسى، فسأل نبيُّ الله ﷺ اليهود: ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا: نزلت التوراة بتحريم الذي حرَّم إسرائيل. فقال الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين﴾ إلى قوله: ﴿فأولئك هم الظالمون﴾، وكذبوا وافتروا، لم تنزل التوراة بذلك" (٤). وروي عن ابن عباس نحو ذلك (٥)، ونقل مقاتل نحوه (٦).
والثالث: نقل الثعلبي والواحدي (٧) عن أبي روق والكلبي: "كان هذا حين قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أنا على ملة إبراهيم». فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «كان ذلك حلالا لإبراهيم فنحن نحلّه». فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرّمه فإنّه كان محرّما على نوح وإبراهيم هاجرا حتى انتهى إلينا، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم: ﴿كُلُّ الطَّعامِ المحلل لكم اليوم كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ وهو يعقوب عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ " (٨).
(٢) العروق جمع العرق وهو كما في "القاموس" "ص ١١٧٢": "العظم بلحمه، فإذا أكل لحمه فعراق، أو كلاهما لكليهما". وانظر "النهاية" لابن الأثير "٣/ ٢٢٠".
(٣) أخرجه الطبري (٧٣٩٩): ص ٧/ ٧ - ٨.
(٤) أخرجه الطبري (٧٤٠٠): ص ٧/ ٩.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٧٤٠١)، و (٧٤٠٢): ص ٧/ ١٠.
(٦) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٠، إذ يقول: " وذلك أن يعقوب بن إسحاق خرج ذات ليلة، ليرسل الماء في أرضه، فاستقبله ملك فظن أنه لص يريد أن يقطع عليه الطريق فعالجه في المكان الذي كان يقرب فيه القربان يدعى شانير فكان أول قربان قربه بأرض المقدس. فلما أراد الملك أن يفارقه، غمز فخذ يعقوب برجليه ليريه أنه لو شاء لصرعه، فهاج به عرق النساء، وصعد الملك إلى السماء، ويعقوب ينظر إليه فلقي منها البلاء، حتى لم ينم الليل من وجعه، ولا يؤذيه بالنهار، فجعل يعقوب لله- عز وجل- تحريم لحم الإبل وألبانها- وكان من أحب الطعام والشراب إليه- لئن شفاه الله. قالت اليهود جاء هذا التحريم من الله- عز وجل- «في التوراة قالوا:
حرم الله على يعقوب وذريته» لحوم الإبل وألبانها. قال الله- عز وجل- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- قل لليهود ﴿فأتوا بالتوراة فاتلوها﴾ فاقرءوها ﴿إن كنتم صادقين﴾ بأن تحريم لحوم الإبل في التوراة، فلم يفعلوا".
(٧) انظر: أسباب النزول: ١١٥.
(٨) تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٢.