والثاني: أن اسرائيل حرّمه على نفسه وولده، وذلك حين اصابه عرق النساء. ولم يكن ذلك محرما عليهم في التوراة. قاله عطية (١).
والثالث: أن التوراة نزلت بتحريمها فحرموها بعد نزولها. وهذا معنى قول السدي (٢).
والرابع: أن الله لم يحرّمه عليهم في التوراة، وإنّما حرّم عليهم بعد التوراة لظلمهم وكفرهم، وكان بنو إسرائيل كلما أصابوا ذنبا عظيما حرّم الله عليهم طعاما طيبا، أو صبّ عليهم رجزا وهو الموت، وذلك قوله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠]، وقوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ إلى قوله وَإِنَّا لَصادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦]. قاله الكلبي (٣).
قال الماوردي: " الأول أصح" (٤).
الفوائد:
١ - أن لله أن يحلّ ما يشاء ويحرّم ما يشاء.
٢ - الرد على اليهود الذين زعموا أنه لا نسخ في الشرائع.
٣ - أن التوراة منزلة كالقرآن، وهذا يدل على علو الله جل وعلا، وأنه فوق كل شيء، وهذا هو عقيدة أهل السنة والجماعة.
٤ - أنه ينبغي للإنسان أن يقابل الخصم بشيء يقطع نزاعه.
٥ - ومن هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في علاج عرق النسا، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك؛ "أن النبي ﷺ كان يصف من عرق النسا ألية كبش عربي، أسود، ليس بالعظيم، ولا بالصغير، يجزأ ثلاثة أجزاء، فيذاب، فيشرب كل يوم جزءا" (٥). قال أنس: "فوصفته لأكثر من مائة فشفاهم الله" (٦).
وقال الثعلبي: " روى شعبة أنّه رأى شيخا في زمن الحجاج بن يوسف يقول لعرق النساء: أقسم عليك بالله الأعلى لئن لم تنته لأكوينّك بنار أو لألحقنك بموسى، قال شعبة: فإنّه يقول ذلك ويمسح على ذلك الموضع فيبرأ بإذن الله" (٧).
القرآن
﴿فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤)﴾ [آل عمران: ٩٤]
التفسير:
فمَن كذب على الله من بعد قراءة التوراة ووضوح الحقيقة، فأولئك هم الظالمون القائلون على الله بالباطل.
قوله تعالى: ﴿فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [آل عمران: ٩٤]، أي: " فمن كذَب على الله منا ومنكم" (٨).
قال مقاتل: "بأن الله حرمه في التوراة" (٩).
قال الزمخشري: أي: " بزعمه أن ذلك كان محرما على بنى إسرائيل قبل إنزال التوراة" (١٠).
قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٩٤]، أي: " من بعد مجيئكم بالتوراة وتلاوتها إياها" (١١).
قال مقاتل: أي: "من بعد ذلك البيان"" (١٢).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٧٣٩٩): ص ٧/ ٧ - ٨.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٣ - ١١٤.
(٤) النكت والعيون: ١/ ٤١٠.
(٥) المسند الجامع (٩٦٦): ص ٢/ ١٥٥.
(٦) المستدرك على الصحيحين: ٢/ ٢٩٢.
(٧) تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٤.
(٨) تفسير الطبري: ٧/ ١٧.
(٩) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٠.
(١٠) الكشاف: ١/ ٣٨٦.
(١١) تفسير الطبري: ٧/ ١٧.
(١٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٠.