عن عبد الله بن عمرو قال: "أفاض جبريل بإبراهيم صلى الله عليهما، فصلى به بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا من منى إلى عرفة فصلى به الصلاتين: الظهر والعصر، ثم وقف له حتى غابت الشمس، ثم دفع حتى أتى المزدلفة، فنزل بها، فبات وصلى، ثم صلى كأعجل ما يصلي أحد من المسلمين، ثم وقف به كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع منه إلى منى، فرمى وذبح، ثم أوحى الله تعالى إلى محمد أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" (١).
الفوائد:
١ - وجود تصديق الله عزّ وجل في جميع ما اخبر به.
٢ - وجوب الإيمان بما اخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات.
٣ - وجوب إتباع ملة إبراهيم، لكن في أصل الشرائع، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]، إذ أن الشرائع تختلف بحسب حاجات الناس ومصالحهم، اما اصلها وهو التوحيد فإن جميع الشرائع تتفق فيه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥].
٤ - الثناء على إبراهيم-صلى الله عليه وسلم- بأنه حنيف وإمام، ولهذا أمرنا باتباعه.
٥ - انتقاء الشرك عن إبراهيم-صلى الله عليه وسلم- انتقاءا كاملا، لقوله: :﴿حنيفا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، ويؤخذ من هذا ذم الشرك والنهي عن اتباعه.
القرآن
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)﴾ [آل عمران: ٩٦]
التفسير:
إن أول بيت بُني لعبادة الله في الأرض لهو بيت الله الحرام الذي في «مكة»، وهذا البيت مبارك تضاعف فيه الحسنات، وتتنزل فيه الرحمات، وفي استقباله في الصلاة، وقصده لأداء الحج والعمرة، صلاح وهداية للناس أجمعين.
في سبب نزول الآية وجهان:
أحدهما: ذكر الثعلبي وتبعه الواحدي (٢) وابن ظفر (٣) عن مجاهد (٤): "تفاخر المسلمون واليهود، فقال اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأنّها مهاجر الأنبياء في الأرض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ " (٥).
والثاني: قال مقاتل بن سليمان: " وذلك أن المسلمين واليهود اختصموا في أمر القبلة. فقال المسلمون: القبلة الكعبة. وقالت اليهود: القبلة بيت المقدس. فأنزل الله- عز وجل- أن الكعبة أول مسجد كان في الأرض، والبيت قبلة لأهل المسجد الحرام، والحرم كله قبلة الأرض" (٦).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦] "أي إن أول مسجد بني في الأرض لعبادة الله: المسجد الحرام الذي هو بمكة" (٧).
قال القاسمي: أي لنسكهم وعباداتهم، للبيت الذي في البكة، وفي ترك الموصوف من التفخيم ما لايخفى" (٨).
قال ابن كثير: " يُخْبر تعالى أن أول بيت وُضع للناس، أي: لعموم الناس، لعبادتهم ونُسُكهم، يَطُوفون به ويُصلُّون إليه ويَعتكِفُون عنده، ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ يعني: الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام-الذي يَزْعم كل
(٢) أسباب النزول: ١١٥.
(٣) انظر: العجاب: ٣/ ٧١٧.
(٤) قال السيوطي: ٢/ ٢٦٦: "أخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال: بلغنا" وذكره. ولم يرفعه إلى مجاهد!.
(٥) تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٤.
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩١.
(٧) صفوة التفاسير: ١٩٩.
(٨) محاسن التأويل: ١/ ٣٥٥.