وفي المأخوذ منه بكة أقوال (١):
أحدها: أنه مأخوذ من الزحمة، يقال تَبَاّك القوم بعضهم بعضاً إذا ازدحموا، فبكة مُزْدَحَمُ الناس للطواف. وهذا معنى قول عطاء (٢)، وأبو جعفر (٣).
والثاني: أنها سميت بكة، لأنها تَبُكُّ الظلمة، وأعناق الجبابرة، إذ ألحدوا فيها بظلم لم يمهلوا. وهذا قول عبدالرحمن بن الزبير (٤)، ومحمد بن زيد بن مهاجر (٥).
والثالث: أن بكة بكت بكا، الذكر فيها كالأنثى. رواه عتبة بن قيس عن ابن عمر (٦).
والرابع: إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون من كل جانب حجاجا. قاله عبدالله بن الزبير (٧)، ومقاتل بن حيان (٨).
والخامس: إن الله بك به الناس جميعا، فيصلي النساء أمام الرجال، ولا يفعل ذلك ببلد غيره. وهذا قول قتادة (٩)، وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعمرو بن شعيب، ومقاتل بن حيان نحو ذلك (١٠).
وقرأ ابن السميقع: " ﴿وَضَعَ﴾، بفتح الواو والضاد، يعني: وضعه الله" (١١).
قوله تعالى: ﴿مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦]، " أي: وضع ذلك البيت ذا بركة وهدى للعالمين" (١٢).
قال مقاتل بن حيان: " قوله: ﴿مباركا﴾، جعلناه آمنا وجعل فيه الخير والبركة" (١٣)، "يعني بالهدى: قبلتهم" (١٤).
قال البيضاوي: " ﴿مباركا﴾: كثير الخير لما يحصل للحجاج والمعتمرين من الثواب وتكفير السيآت ﴿وهدى للعالمين﴾ لأنه قبلتهم ومتعبدهم" (١٥).
قال المراغي: " تطلق البركة على معنيين: أحدهما النموّ والزيادة، وثانيهما البقاء والدوام كما يقال تبارك الله، والبركة والهداية من فضائله الحسية والمعنوية.
أما الأولى: فهى أنه قد أفيض عليه من بركات الأرض وثمرات كل شىء مع كونه بواد غير ذى زرع كما قال الله تعالى: ﴿يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فترى الأقوات والثمار في مكة كثيرة جيدة، وأقل ثمنا من كثير من البلاد ذوات الخيرات الوفيرة كمصر والشام.
وأما الثانية: فلأن القلوب تهوى إليه، فتأتى الناس مشاة وركبانا من كل فج عميق لأداء المناسك الدينية من الحج والعمرة، ويولّون وجوههم شطره في صلاتهم وربما لا تمضى ساعة من ليل أو نهار إلا وهناك ناس يتوجهون إليه، ولا شك أن هذه الهداية من أشرف أنواع الهدايات.
وكل هذا ببركة دعوة إبراهيم صلوات الله عليه ﴿رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ " (١٦).

(١) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤١٠.
(٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٦.
(٣) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٣٨٣٢): ص ٣/ ٧٠٨.
(٤) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٦.
(٥) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٣٨٣٤): ص ٣/ ٧٠٩.
(٦) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٣٨٣١): ص ٣/ ٧٠٨.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٣٠): ص ٣/ ٧٠٨.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٣٠): ص ٣/ ٧٠٨.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٣٣): ص ٣/ ٧٠٩.
(١٠) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٣٣): ص ٣/ ٧٠٩.
(١١) تفسير الثعلبي: ٣/ ١١٤.
(١٢) تفسير السمعاني: ١/ ٣٤٢.
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٤٠): ص ٣/ ٧١٠.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٤١): ص ٣/ ٧١٠.
(١٥) تفسير البيضاوي: ١/ ٢٧٥.
(١٦) تفسير المراغي: ٤/ ٧ - ٨.


الصفحة التالية
Icon