وثانيهما: وقيل: بل هو الذي وضعته زوج إسماعيل لإِبراهيم حيث غسلت رأسه وهو راكب. وهو قول السدي (١)، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس (٢).
وقال ابن جبير ناقداً هذا القول: "ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه" (٣).
خامسا: وقال آخرون: بل ﴿مقام إبراهيم﴾، هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام. قاله قتادة (٤)، والربيع (٥)، والسدي (٦).
والراجح: أن المقام هو (الحجر) (٧) لما يعضده هذا القول من الأخبار، إذ ثبت بالأخبار أنه قام على هذا الحجر عند المغتسل ولم يثبت قيامه على غيره فحمل هذا اللفظ وعليه أكثر أهل العلم. وقد ثبت دليله عند مسلم (٨) (٩) من حديث جابر (١٠)، وعند البخاري أيضاً (١١).
كما اختلفوا في قوله: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧]، على وجوه:
أحدها: أن الآيات، هي: مقام إبراهيم والمشعر الحرام ونحو ذلك. قاله ابن عباس (١٢)، ومجاهد (١٣).
والثاني: أن الآيات البينات، هي: مقام إبراهيم، ومن دخله كانَ آمنا. وهذا قول الحسن (١٤).
والثالث: أن الآيات البينات، هي: مقام إبراهيم. وهذا قول السدي (١٥)، ومجاهد (١٦) –في إحدى الروايات عنه- على قراءة التوحيد (١٧).
والراجح-والله أعلم- أن الآيات البينات، منهنّ مقام إبراهيم، ومنهن الحجرُ، ومنهن الحطيمُ (١٨).
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٤١٤.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١١٩٩): ص ١/ ٢٢٦.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٠): ص ٢/ ٣٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠١): ص ٢/ ٣٥.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٢): ص ٢/ ٣٥.
(٧) وقد اختار ذلك أيضاً وصوبه: الطبري في جامع البيان: ٣/ ٣٨، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ٢/ ١١٢، والماوردي في النكت والعيون: ١/ ١٨٧، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٤١، وابن العربي في أحكام القرآن: ١/ ٤٠، والشوكاني في فتح القدير: ١/ ٢٠٥، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم: ١/ ٢١٣، وقد حكى اتفاق المحققين عليه الرازي في مفاتيح الغيب: ٤/ ٥٣، وأبو حيان في البحر المحيط: ١/ ٣٨١.
(٨) هو: أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، إمام حافظ، ثقة حجة، عالم بالفقه، صاحب الصحيح، توفي عام: ٢٦١ هـ. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: ٥/ ١٩٤، سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٥٥٧، تذكرة الحفاظ: ٢/ ٥٨٨، وكلاهما للذهبي، تقريب التهذيب لابن حجر: ٩٣٨.
(٩) أخرجه مسلم في صحيحه: ١/ ٨٨٦ - ٨٨٧ رقم: ١٢١٨ وفيه: (حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً ثم نفذ إلى مقام إبرا هيم-عليه السلام-فقرأ ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ فجعل المقام بينه وبين البيت).
(١٠) هو: أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السَّلَمي-بفتحتين-صحابي ابن صحابي، أحد المكثرين من الرواية، شهد العقبة وتسعة عشر غزوة، ولم يشهد بدراً واحداً، منعه أبوه، توفي عام: ٧٨ هـ، وقيل غير ذلك. انظر: أسد الغابة لابن الأثير: ١/ ٣٠٧، الاستيعاب لابن عبد البر: ١/ ٢١٩، تهذيب الكمال للمزي: ٤/ ٤٤٣، الإصابة لابن حجر: ١/ ٤٣٤.
(١١) انظر: البخاري في جامعه-فتح-: ١/ ٦٠١ رقم: ٤٠٢ من حديث أنس عن عمر قال: (وافقت ربي في ثلاث: فقلت يا رسول الله: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت (وَاتَّخذُوا من مَّقَام إبرَاهيمَ مُصَلَّى)... الحديث).
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٧٤٤٨): ص ٧/ ٢٦ - ٢٧.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٤٤٩): ص ٧/ ٢٧.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٧٤٥٠): ص ٧/ ٢٧.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٧٤٥١): ص ٧/ ٢٧.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٧٤٥٢)، و (٧٤٥٣): ص ٧/ ٢٧ - ٢٨.
(١٧) أي: ﴿فيه آية بينة﴾.
(١٨) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ٢٨.