بدل البعض (١)، كما يقول: ضربت زيدا برأسه، فيصير تقدير الآية: ولله على من استطاع من الناس الحج أن يحج" (٢).
الفوائد:
١ - أن في هذا البيت آيات ظاهرة لكل احد، منها ﴿مقام إبراهيم﴾، ومنها: أن من دخله كان آمنا، ومنها فريضة حجه على جميع الناس، فإنها آيات تدل بأن هذا البيت أشرف البيوت.
٢ - أن الآيات كما تكون شرعية، تكون كذلك حسية كونية.
٣ - التنويه بفضل إبراهيم في قوله: ﴿مقام إبراهيم﴾.
٤ - وجوب تأمين من دخل المسجد الحرام.
٥ - أن حرمة المسلم أعظم من حرمة البيت عند الله، ودليله أن القتال في مكة محرم، لكنهم إذا أرادوا الاعتداء على حرمة المسلم أبيحت دماؤهم، فقال: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩١].
٦ - وجوب حج البيت من استطاع إليه سبيلا، وأن الحج لا يجب على غير المستطيع، والاستطاعة تكون بالمال أو البدن أو بهما جميعا.
٧ - بيان غنى الله عزّ وجل عن كل احد، وأن العالمين مفتقرون إليه، وليس بهم غنى عن الله.
القرآن
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨)﴾ [آل عمران: ٩٨]
التفسير:
قل -أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: لِمَ تجحدون حجج الله التي دلَّتْ على أن دين الله هو الإسلام، وتنكرون ما في كتبهم من دلائل وبراهين على ذلك، وأنتم تعلمون؟ والله شهيد على صنيعكم. وفي ذلك تهديد ووعيد لهم.
في سبب نزول [الآيات: ٩٨ - ١٠١]:
قال محمد بن إسحاق: "وحدثني الثقة، عن زيد بن أسلم قال: وأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع: ﴿يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله﴾ " (٣).

(١) انظر تفسير الكشاف للزمخشري ١/ ٤٤٨.
(٢) نواسخ القرآن: ٣٢٨. ولم يتعرض لدعوى النسخ المؤلف في زاد المسير كما لم يذكره أصلا أمهات كتب النسخ، إنما نقل هذا القول الضعيف عن السدي، هبة الله بن سلامة في ناسخه ص: ٣٩، بقوله: ثم استثنى فصار ناسخا.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٧٨): ص ٣/ ٧١٦. وأخرجه الطبري (٧٥٢٤): ص ٧/ ٥٦ - ٥٦ مطولا، ونص الرواية: " عن محمد بن إسحاق، قال، حدثني الثقة عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله ﷺ من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ! ! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: " يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله ﷺ سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع: ﴿قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا﴾ الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين﴾ إلى قوله: ﴿أولئك لهم عذابٌ عظيم﴾ ".
قال الواحدي في أسباب النزول: ص ١١٧: " قال جابر بن عبد الله: ما كان من طالع أكره إلينا من رسول الله - ﷺ - فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله - ﷺ - فما رأيت قط يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم".


الصفحة التالية
Icon