قال الحسن: "هم اليهود والنصارى" (١).
عن ابن عباس: " قوله: ﴿تصدون عن سبيل الله﴾ قال: عن دين الله" (٢).
وقرأ الحسن: ﴿تصدون﴾، بضم التاء وكسر الصاد وهما لغتان (٣).
قوله تعالى: ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [آل عمران: ٩٩]، " أي: تطلبون أن تكون الطريق المستقيمة معوجّة" (٤).
وفي قوله تعالى: ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [آل عمران: ٩٩]، وجهان من التفسير:
أحدهما: أنهم (أي اليهود والنصاراى) كانوا إذا سألهم أحد: هل تجدون محمدا؟ قالوا: لا. فصدوا الناس عنه وبغوا محمدا عوجا: هلاكا. قاله السدي (٥).
والثاني: أنه يعني: ترجون بمكة غير الإسلام. وهذا قول أبي مالك (٦).
قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ﴾ [آل عمران: ٩٩]، " أي: وأنتم عالمون بأن الإِسلام هو الحق والدين المستقيم" (٧).
قال أبو جعفر: " وأنتم شهداء على ذلك فيما تقرأون من كتاب الله أن محمدا رسول الله وأن الإسلام دين الله، تجدون ذلك في التوراة والإنجيل" (٨).
قال الطبري: " يعني: شهداء على أنّ الذي تصدّون عنه من السبيل حقٌّ، تعلمونه وتجدونه في كتبكم" (٩).
قوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ٩٩]، أي: " وليس الله بغافل عن أعمالكم" (١٠).
قال ابن كثير: " أخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون، أي: وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفعهم مال ولا بنون" (١١).
الفوائد:
١ - امر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ان يوبخ أهل الكتاب على عداوتهم على الغير، وذلك بالصد عن سبيل الله.
٢ - أن من صدّ عن سبيل الله من المسلمين ففيه شبه من اهل الكتاب (اليهود والنصارى).
٣ - سوء القصد من اهل الكتاب، إذ يبغون أن تكون سبيل الله عوجا، وهم يعلمون بأنهم على باطل وان الحق في خلافهم، لكن الذي يمنعهم هو الاستكبار.
٤ - إثبات إحاطة الله تعالى بكل شيء علما ورقابة.
القرآن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠)﴾ [آل عمران: ١٠٠]
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن تطيعوا جماعة من اليهود والنصارى ممن آتاهم الله التوراة والإنجيل، يضلوكم، ويلقوا إليكم الشُّبَه في دينكم; لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين به، فلا تأمنوهم على دينكم، ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مشورة.
اختلف في سبب نزول الآية على قولين:
أحدهما: قال محمد ابن إسحاق: " حدثني الثقة، عن زيد بن أسلم قال: وأنزل في أويس ابن قيظي وجبار بن صخر، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا مما أدخل عليهم شاس بن قيس من أمر الجاهلية: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب﴾ " (١٢). وري عن مجاهد نحو ذلك (١٣).
والثاني: وقال السدي: " نزلت في ثعلبة بن عَنمة الأنصاري، كان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهوديٌّ من قَيْنُقاع، فحمَل بعضَهم على بعضٍ، حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاحَ فيقاتلوا، فأنزل الله عز وجل: ﴿إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين﴾، يقول: إن حملتم السلاحَ فاقتتلتم، كفرتم" (١٤).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٠٠]، أي: " يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيهم ﷺ من عند الله" (١٥).
قال ابن عباس: " ما في القرآن آية ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾، إلا أن عليا شريفها وأميرها وسيدها، وما من أصحاب محمد إلا قد عوتب في القرآن إلا علي بن أبي طالب فإنه لم يعاتب في شيء منه" (١٦).
وقال الأعمش عن خيثمة: " ما تقرأون من القرآن ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾، فإن في التوراة "يا أيها المساكين" (١٧).
وروي أن "رجلا أتى عبد الله ابن مسعود فقال: أعهد إلي، فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾، فأرعها سمعك، فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه" (١٨).
قوله تعالى: ﴿إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٠٠]، أي: " إن تطيعوا جماعة ممن ينتحل الكتابَ من أهل التوراة والإنجيل، فتقبلوا منهم ما يأمرونكم به" (١٩).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٨٢): ص ٣/ ٧١٧.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٥٨.
(٤) صفوة التفاسير: ١٩٩.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٨٤): ص ٣/ ٧١٧.
(٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٨٥): ص ٣/ ٧١٧.
(٧) صفوة التفاسير: ١٩٩.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٨٧): ص ٣/ ٧١٨.
(٩) تفسير الطبري: ٧/ ٥٤.
(١٠) تفسير الطبري: ٧/ ٥٤.
(١١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٨٥.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٩٣): ص ٣/ ٧١٨، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٧٨): ص ٣/ ٧١٦. وأخرجه الطبري (٧٥٢٤): ص ٧/ ٥٦ - ٥٦ مطولا، ونص الرواية: " عن محمد بن إسحاق، قال، حدثني الثقة عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله ﷺ من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ! ! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: " يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله ﷺ سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع: ﴿قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا﴾ الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين﴾ إلى قوله: ﴿أولئك لهم عذابٌ عظيم﴾ ".
قال الواحدي في أسباب النزول: ص ١١٧: " قال جابر بن عبد الله: ما كان من طالع أكره إلينا من رسول الله - ﷺ - فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله - ﷺ - فما رأيت قط يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم".
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٥٣٠): ص ٧/ ٥٩، وابن ابي حاتم (٣٨٩٤): ص ٣/ ٧١٩.
(١٤) أخرجه الطبري (٧٥٢٩): ص ٧/ ٥٨ - ٥٩. وأخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٩٢): ص ٣/ ٧١٨. مختصرا.
(١٥) تفسير الطبري: ٧/ ٥٩.
(١٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٨٩): ص ٣/ ٧١٨.
(١٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٩٠): ص ٣/ ٧١٨.
(١٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٩١): ص ٣/ ٧١٨.
(١٩) تفسير الطبري: ٧/ ٥٩.