قال مقاتل بن سليمان: " يعني طائفة من الذين أوتوا الكتاب يعني أعطوا التوراة" (١).
قال سعيد بن جبير: " ﴿فريقا﴾: يعني طائفة" (٢).
قال الزجاج: " يعني بالفريق الصنف" (٣).
قوله تعالى: ﴿يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٠]، أي: "يضلّوكم فيردّوكم بعد إيمانكم جاحدين" " (٤).
قال السدي: "يقول: إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم" (٥).
قال الزجاج: " أي: إن قلدتموهم ردوكم كافرين، أي: وإن كنتم على غير دينهم وكنتم في عقدكم ذلك كافرين فكذلك إن أطعتموهم او اتبعتوهم فأنتم كافرون" (٦).
قال السمعاني: " يعني: يردونكم إلى اليهودية والنصرانية" (٧).
قال الطبري: " فنهاهم جَلّ ثناؤه أن ينتصحوهم، ويقبلوا منهم رأيًا أو مشورةً، ويعلِّمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوُون على غِلٍّ وغِش وحسد وبغض" (٨).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن الربيع بن أنس في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين﴾: قال: " فقد تقدم فيهم كما تسمعون، وقد حذركموهم، وأنبأكم بضلالتكم، فلا تأتمنوهم على دينكم، ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء والحسدة والضلال، كيف تأتمنون قوما كفروا بكتابهم وقتلوا رسلهم؟ أولئك هم أهل التهمة والعداوة" (٩).
الفوائد:
١ - تحذير المؤمنين من طاعة الكفار.
٢ - أن الكفار ولو كان أهل كتاب يحاولون غاية المحاولة أن يردّوا المؤمنين عن إيمانهم إلى الكفر، فهم لايرضون منا بما دون الكفر، إلا أن يكون وسيلة إلى الكفر، لأن الغاية: قال ﴿يردّوكم بعد إيمانكم كافرين﴾. ومن ابرز وسائلهم في ذلك: فتح باب الشهوات والشبهات.
٣ - أن طاعة الكفار مخالفة للإيمان.
٤ - أنه كلما ازداد المؤمنون تمسكا بالدين ستزداد شراسة الكفار في صدهم عن دينهم.
٥ - أن من أهل الكتاب من لايحاول إضلال المؤمنين عن الدين، وذلك لقوله: ﴿فريقا﴾.
القرآن
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)﴾ [آل عمران: ١٠١]
وكيف تكفرون بالله -أيها المؤمنون-، وآيات القرآن تتلى عليكم، وفيكم رسول الله محمد ﷺ يبلغها لكم؟ ومَن يتوكل على الله ويستمسك بالقرآن والسنة فقد وُفِّق لطريق واضح، ومنهاج مستقيم.
في سبب نزول الآية: قال ابن عباس: " كانت بين الأوس والخزرج حرب في الجاهلية كل شيء، فبينما هم يوما جلوس إذ ذكروا ما بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فنزلت: ﴿وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله﴾ الآية كلها" (١٠).
قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾ [آل عمران: ١٠١]، " أي: كيف يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله لا تزال تتنزّل عليكم والوحي لم ينقطع ورسول الله حيٌ بين أظهركم؟ " (١١).
عن قتادة: "قوله: ﴿وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله﴾، قال: علمان بينان: نبي الله وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام، وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله، ونعمة فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته" (١٢).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١]، "أي: من يتمسك بدينه الحق الذي بيَّنه بآياته على لسان رسوله فقد اهتدى إلى أقوم طريق، وهي الطريق الموصلة إلى جنات النعيم" (١٣).
قال الربيع بن أنس: " والاعتصام هو: الثقة بالله" (١٤).
وقال ابن جريج: " ﴿ومن يعتصم بالله﴾: يؤمن بالله" (١٥).
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع رفع الحديث إلى النبي ﷺ أنه قال: "إن الله قضى على نفسه أنه من آمن به هداه، ومن وثق به أنجاه. قال الربيع: وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ " (١٦).
وفي: ﴿صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١]، أربعة اقوال:
أحدها: أن"الصراط المستقيم: كتاب الله عزّ وجل". رواه علي بن أبي طالب عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- (١٧).
والثاني: أن" الصراط: الإسلام". رواه النواس بن سمعان الأنصاري عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (١٨).
والثالث: أن "الصراط المستقيم: هو النبي ﷺ وصاحباه بعده رضي الله عنهما". قاله أبو العالية (١٩). قال الحسن: "صدق أبو العالية ونصح" (٢٠).
والرابع: أن الصراط المستقيم: الحق. وهذا قول مجاهد (٢١).
الفوائد:
١ - إستبعاد أن يرتد المؤمن كافرا، وهو يتلى عليه كتاب الله وفيهم رسوله-صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله-صلى الله عليه وسلم- فينا بسنته.
٢ - أن كتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم- والإقبال عليهما أعظم مانع يمنع من الكفر.
٣ - إثبات أن القرآن الكريم آية من آيات الله، لقوله: ﴿آيات الله﴾. وبذلك لا يمكن أن يأتي احد بمثله.
٤ - الحث على الاعتصام بالله.
٥ - بشارة من وفق للاعتصام بالله بأنه مهدي إلى الطريق القويم.
٦ - أن دين الله عزّ وجل دين مستقيم.
القرآن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢]

(١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٢.
(٢) تفسير ابن ألبي حاتم (٣٨٩٦): ص ٣/ ٧١٩.
(٣) معاني القرآن: ١/ ٤٤٨.
(٤) تفسير الطبري: ٧/ ٥٩ - ٦٠.
(٥) أخرجه ابن ألبي حاتم (٣٨٩٧): ص ٣/ ٧١٩.
(٦) معاني القرآن: ١/ ٤٤٨.
(٧) تفسير السمعاني: ١/ ٣٤٤.
(٨) تفسير الطبري: ٧/ ٦٠.
(٩) تفسير ابن ألبي حاتم (٣٨٩٥): ص ٣/ ٧١٩.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٩٨): ص ٣/ ٧٢٠.
(١١) صفوة التفاسير: ٢٠٠.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٨٩٩): ص ٣/ ٧٢٠.
(١٣) صفوة التفاسير: ٢٠٠.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٠٠): ص ٣/ ٧٢٠.
(١٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٠١): ص ٣/ ٧٢٠.
(١٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٠١٢): ص ٣/ ٧٢٠.
(١٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٠٣): ص ٣/ ٧٢١.
(١٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٠٤): ص ٣/ ٧٢١.
(١٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٠٥): ص ٣/ ٧٢١.
(٢٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٠٥): ص ٣/ ٧٢١.
(٢١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٠٦): ص ٣/ ٧٢١.


الصفحة التالية
Icon