قال الماتريدي: قوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾، " يحتمل أن يكون هذا خبرا في الحقيقة، وإن كان في الظاهر أمرا؛ فإن كان خبرا ففيه دلالة أن جماعة منهم إذا قاموا على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر - سقط ذلك عن الآخرين؛ لأنه ذكر فيه حرف التبعيض، وهو قوله: ﴿منكم أمة...﴾ الآية.
ويحتمل أن يكون على الأمر في الظاهر والحقيقة جميعا، ويكون قوله: ﴿منكم﴾ - صلة، فإن كان على هذا ففيه أن على كل أحد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وذلك واجب؛ كأنه قال: كونوا أمة ﴿وينهون عن المنكر﴾ الآية؛ لأنه ذكر - جل وعز - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آي كثيرة من كتابه، منها هذا: رولتكن منكم أمة...} الآية، ومنها قوله: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾، وذم من تركهما بقوله: ﴿كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون﴾.
وروي عن عكرمة أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال له: " قد أعياني أن أعلم ما يفعل بمن أمسك عن الوعظ، فقلت: أنا أعلمك ذلك، اقرأ الآية الثانية: ﴿أنجينا الذين ينهون عن السوء...﴾، فقال لي: أصبت" (١).
فاستدل ابن عباس رضي الله عنه - بهذه الآية على أن الله أهلك من عمل السوء، ومن لم ينه عنه من يعمله، فجعل - والله أعلم - الممسكين عن نهي الظالمين مع الظالمين في العذاب" (٢).
قوله تعالى: ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، أي: "يدعون الناس إلى الإسلام وشرائعه" (٣).
قال مقاتل بن حيان: " إلى الإسلام" (٤).
قال السمرقندي: " ويقال: إلى جميع الخيرات" (٥).
قوله تعالى: ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، أي: ويأمرون "بكل معروف" (٦).
قال المظهري: " اى ما عرف من الشرع حسنه واجبا كان او مندوبا" (٧).
قال الكلبي: يعني باتباع محمد -صلّى الله عليه وسلم-" (٨).
قال مقاتل بن حيان: " يأمرون بطاعة ربهم" (٩).
قال أبو العالية: " كل آية يذكرها الله في القرآن، فذكر الأمر بالمعروف، فالأمر بالمعروف أنهم دعوا إلى الله وحده وعبادته لا شريك له، دعاء من الشرك إلى الإسلام" (١٠).
قال الراغب: " المعروف: ما يستحسنه العقل ويرد به الشرع" (١١).
قال الطبري: أي: " يأمرون الناس باتباع محمد ﷺ ودينه الذي جاء به من عند الله" (١٢).
قوله تعالى: ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] أي: وينهون "عن كل منكر" (١٣).
قال المظهري: " يعنى: ما أنكره الشرع من المحرمات والمكروهات" (١٤).
وقال ابن أبي زمنين: " يعني: الشرك بالله" (١٥).
قال السمرقندي: " يعني: الجبت والطاغوت. ويقال: المنكر، يعني العمل الذي بخلاف الكتاب والسنة. ويقال: ما لا يصلح في العقل" (١٦).
(٢) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٩٠.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٣٨): ص ٣/ ٧٢٧.
(٥) تفسير السرمقندي: ١/ ٢٣٦.
(٦) محاسن التأويل: ٢/ ٣٧٤.
(٧) تفسير المظهري: ٢ ق ١/ ١١٤.
(٨) تفسير السرمقندي: ١/ ٢٣٦.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٤٠): ص ٣/ ٧٢٧.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٣٩): ص ٣/ ٧٢٧.
(١١) تفسير الراغب الأصفهاني: ٢/ ٧٧٠.
(١٢) تفسير الطبري: ٧/ ٩١.
(١٣) محاسن التأويل: ٢/ ٣٧٤.
(١٤) تفسير المظهري: ٢ ق ١/ ١١٤.
(١٥) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ٣٠٨.
(١٦) تفسير السرمقندي: ١/ ٢٣٦.