قال الطبري: ": يعني وينهون عن الكفر بالله والتكذيب بمحمد وبما جاء به من عند الله، بجهادهم بالأيدي والجوارح، حتى ينقادوا لكم بالطاعة" (١).
قال مقاتل بن حيان: " وينهون عن معصيته، يعني: معصية ربهم" (٢).
قال أبو العالية: " كل آية ذكر الله في القرآن، فذكر النهي عن المنكر، النهي عن عبادة الأوثان والشيطان" (٣).
وروي عن سفيان الثوري أنه قال: " إنما يجب النهي عن المنكر إذا فعل فعلاً يخرج عن الاختلاف، أي اختلاف العلماء" (٤).
قال بعض أهل العلم: " إنما أمر بعض الناس بقوله، ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾، ولم يأمر جميع الناس، لأن كل واحد من الناس لا يحسن الأمر بالمعروف، وإنما يجب على من يعلم. ويقال: إن الأمراء، يجب عليهم الأمر والنهي باليد، والعلماء باللسان، والعوام بالقلب، وهنا كما قال عليه الصلاة والسلام: «إذا رَأَى أَحَدٌ مُنْكَراً، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلك أَضْعَفُ الإيمانِ» (٥).
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "بحسب امرئ إذا رأى منكراً، لا يستطيع النكير أن يعلم الله من قلبه أنه كاره. " (٦).
وروي عن بعض الصحابة أنه قال: "أن الرجل إذا رأى منكراً، لا يستطيع النكير عليه، فليقل ثلاث مرات: اللهم إِنَّ هذا منكر، فإذا قال ذلك فقد فعل ما عليه" (٧).
وقال الزمخشري: قوله ﴿ولتكن منكم أمة﴾، "من للتبعيض، لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفايات، ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر، وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر، فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا، أو على من الإنكار عليه عبث، كالإنكار على أصحاب المآصر (٨) والجلادين وأضرابهم. وقيل «من» للتبيين، بمعنى: وكونوا أمة تأمرون، كقوله تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون﴾ " (٩).
قال الراغب: " المنكر: ما يستقبحه العقل ويحظره الشرع، وعلى ذلك يقال للسخاء المعروف في نحو قول الشاعر (١٠):

ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل" (١١).
وقرأ ابن الزبير: «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويستعينون بالله على ما أصابهم»، (١٢). ورويت أيضا عن عثمان بن عفان وابن مسعود (١٣).
قال ابن الأنباري: "هذه الزيادة تفسير من ابن الزبير، وكلام من كلامه، غلط فيه بعض الناقلين، فألحقه بألفاظ القرآن، يدل على ذلك أن عثمان بن عفان قرأ: "ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله
(١) تفسير الطبري: ٧/ ٩١.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٤٢): ص ٣/ ٧٢٧.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٤١): ص ٣/ ٧٢٧.
(٤) تفسير السرمقندي: ١/ ٢٣٦.
(٥) أخرجه مسلم ١/ ٦٩، كتاب الإيمان، حديث رقم: ٤٩، والبيهقي في "الكبرى" ١٠/ ٩٠.
(٦) تفسير السرمقندي: ١/ ٢٣٦.
(٧) تفسير السرمقندي: ١/ ٢٣٦.
(٨) جمع مأصر، وهو المحبس أى السجن.
(٩) الكشاف: ١/ ٣٩٦ - ٣٩٧.
(١٠) البيت من شواهد الراغب في تفسيره: ٢/ ٧٧٠، ولم أتعرف على قائله.
(١١) تفسير الراغب الأصفهاني: ٢/ ٧٧٠.
(١٢) سنن سعيد بن منصور (٥٢١): ص ٣/ ١٠٨٤.
(١٣) انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية: ٢/ ١٠٨٩، والمحرر الوجيز: ١/ ٤٨٦.


الصفحة التالية
Icon