على ما أصابهم"، فما يشك عاقل في أن عثمان لا يعتد هذه الزيادة من القرآن؛ إذْ لم يكتبها في مصحفه الذي هو إمام المسلمين" (١).
قال ابن عطية: "فهذا [الوجه من القراءة]، وإن كان لم يثبت في المصحف، ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي" (٢).
قوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، أي: أولئك "هم الفائزون" (٣).
قال الزجاج: " أي: والذين ذكرناهم المفلحون، والمفلح الفائز بما يغتبط به" (٤).
قال ابن عباس: " أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا" (٥).
قال الطبري: أي: " المنجحون عند الله الباقون في جناته ونعيمه" (٦).
قال السعدي: أي: " الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب" (٧).
الفوائد:
١ - وجوب الدعوة إلى الخير، وأن ذلك على الكفاية.
٢ - الإخلاص في الدعوة، لقوله: ﴿يدعون إلى الخير﴾، لا لأنفسهم.
٣ - وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى وإن كان بالقلب كما ورد في الحديث، عن أبي سهيد الخدري: "سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " (٨).
٤ - الحث على العلم، لأنه يمكن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا العالم بالخير والمعروف والمنكر.
٥ - فضيلة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقوله: ﴿وأولئك هم المفلحون﴾.
القرآن
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٥)﴾ [آل عمران: ١٠٥]
التفسير:
ولا تكونوا -أيها المؤمنون- كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا، واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم الحق، وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: ١٠٥]، "أي: ولا تكونوا كاليهود والنصارى الذين تفرقوا في الدين واختلفوا فيه، من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات" (٩).
قال الحسن: " هم اليهود والنصارى " (١٠).
قال الثعلبي: " قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى. وقال بعضهم: هم المبتدعة من هذه الأمة" (١١).
قال الربيع: " هم أهل الكتاب، نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا ويختلفوا، كما تفرق واختلف أهل الكتاب" (١٢).
قال مقاتل بن حيان: " يقول للمؤمنين: لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا يعني اليهود " ﴿من بعد ما جاءهم البينات﴾ يقول: " تفرقوا واختلفوا من بعد موسى، فنهى الله المؤمنين أن يتفرقوا بعد نبيهم كفعل اليهود" (١٣).
قال ابن عباس: " ونحو هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله" (١٤).
قال مقاتل بن سليمان: " فوعظ الله المؤمنين لكي لا يتفرقوا، ولا يختلفوا كفعل أهل الكتاب" (١٥).
قال الزجاج: " أي لا تكونوا كأهل الكتاب، يعني به إليهود والنصارى وكتابهم جميعا التوراة، وهم مختلفون، كل فرقة منهم - وإن اتفقت في باب النصرانية أو اليهودية - مختلفة أيضا، كالنصارى الذين هم نسطورية ويعقوبية وملكانية، فأمر الله بالاجتماع على كتابه، وأعلم أن التفرق فيه يخرج أهله إلى مثل ما خرج إليه أهل الكتاب في كفرهم" (١٦).
قال ابن كثير: " ينهى هذه الأمة أن تكون كالأمم الماضية في تفرقهم واختلافهم، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم" (١٧).
قال الماتريدي: " و ﴿البينات﴾: هي الحجج التي أتى بها، ويحتمل: بيان ما في كتابهم من صفة رسولنا محمد - ﷺ - ونعته الشريف، ويحتمل: تفرقوا عما نهج لهم الله، وأوضح لهم الرسل؛ فأبدعوا لأنفسهم الأديان بالأهواء، فحذرنا ذلك، وعرفنا أن الخير كله في اتباع من جعله الله حجة له، ودليلا عليه، وداعيا إليه، ولا قوة إلا بالله" (١٨).
قال الراغب: " التفرق على ثلاثة أضرب: تفرق بالأبدان، وتفرق بالأقو ال والأفعال، وتفرق بالاعتقادات، وكذلك الاختلاف؛ إلا أن الأظهر في الاختلاف أن يكون بالأقوال والأفعال والاعتقادات، وفي التفرق أن يكون بالأبدان، وذكر تعالى اللفظين، ليبين أن أهل الكتاب تجادلوا بكل ذلك" (١٩).
قال الشافعي: " الاختلاف وجهان:
أحدهما: فما كان لله فيه نص حكم، أو لرسوله سنة، أو للمسلمين فيه إجماع، لم يسع أحداً علم من هذا واحداً أن يخالفه.
والثاني: وما لم يكن فيه من هذا واحد، كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة، فإذا اجتهد من له أن يجتهد، وسِعهُ أن يقول بما وجد الدلالة عليه، بأن يكون في معنى كتاب، أو سنة، أو إجماع، فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين، فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره، وَسِعَه أن يقول بشيء، وغيره بخلافه، وهذا قليل إذا نظر فيه" (٢٠).
قوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥]، أي: " وأولئك لهم عذاب عظيم يوم القيامة" (٢١).
قال البيضاوي: " وعيد للذين تفرقوا وتهديد على التشبه بهم" (٢٢).
الفوائد:
١ - النهي عن التفرق، والمراد تفرق القلوب، لأن تفرق الآراء أمر لابد منه، فالناس يتفاوتون في العلم والحفظ والفهم والإيمان والعمل، وهي أسباب اختلاف الناس، عليه فإن الواجب اتفاق القلوب.
(٢) المحرر الوجيز: ١/ ٤٨٦.
(٣) صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(٤) معاني القرآن: ١/ ٤٥٣.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٤٣): ص ٣/ ٧٢٧.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ٩١.
(٧) تفسير السعدي: ١٤٢.
(٨) صحيح مسلم (١١١٥٠): ص ١٧/ ٢٣٩.
(٩) صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(١٠) أخرجه الطبري (٧٦٠٠): ص ٧/ ٩٣..
(١١) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٢٣.
(١٢) أخرجه الطبري (٧٥٩٨): ص ٧/ ٩٢ - ٩٣.
(١٣) أخرجه ابن المنذر (٧٨٥): ص ١/ ٣٢٥.
(١٤) أخرجه الطبري (٧٥٩٩): ص ٧/ ٩٣.
(١٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٣.
(١٦) معاني القرآن: ١/ ٤٥٣.
(١٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ٩١.
(١٨) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٥١.
(١٩) تفسير الراغب الأصفهاني: ٢/ ٧٧٨.
(٢٠) تفسير الإمام الشافعي: ١/ ٤٨٩.
(٢١) تفسير السمعاني: ١/ ٣٧٤.
(٢٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ٣٢.