٢ - إن ترك الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للتفرق، لأنه أعقب الآية السابقة بهذه الآية.
٣ - إن التفرق بعد تبيّن الحق، أشد قبحا من التفرق حين خفاء الحق.
٤ - الوعيد الشديد على الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءه البينات.
٥ - إن العقاب يختلف باختلاف الجرم، لأنه لمات ان جرم هؤلاء عظيما كان عذابهم عظيما.
القرآن
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦)﴾ [آل عمران: ١٠٦]
التفسير:
يوم القيامة تَبْيَضُّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله، وامتثلوا أمره، وتَسْوَدُّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله، وعصوا أمره. فأما الذين اسودَّت وجوههم، فيقال لهم توبيخًا: أكفرتم بعد إيمانكم، فاخترتم الكفر على الإيمان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦]، " أي: يوم القيامة تبيض وجوه المؤمنين بالإِيمان والطاعة، وتسود وجوه الكافرين بالكفر والمعاصي" (١).
قال السدي: "بالأعمال والأحداث" (٢).
قال ابن عباس: " تبيض وجوه أهل السنة والجماعة" (٣)، "تسود أهل البدع والضلالة" (٤).
قال التستري: " يعني: تبيض وجوه المؤمنين بنور إيمانهم" (٥).
قال الواحدي: " ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ﴾ أَيْ: وجوه المهاجرين والأنصار ومَنْ آمنَ بمحمدٍ عليه السَّلام، ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ اليهود والنَّصارى ومَنْ كفر به " (٦).
قال الماوردي: " يعني به يوم القيامة، لأن الناس فيه بين مُثَابٌ بالجنة ومُعاقَبٌ بالنار فوصِف وجه المُثَاب بالبياض لإسفاره بالسرور، ووصف وجه المُعَاقَب بالسواد لإنكسافه بالحزن " (٧).
قال السمعاني: " ﴿يوم تبيض وجوه﴾ يعني: بالتوحيد ﴿وتسود وجوه﴾ بالشرك. وقيل: تبيض وجوه بالسنة، وتسود وجوه بالبدعة. وقيل: أراد به: في الدنيا تبيض وجوه بالقناعة، وتسود وجوه بالطمع. والأول أصح، ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة﴾ الآية" (٨).
قال الطبري: أي: " أولئك لهم عذاب عظيمٌ في يوم تبيضُّ وجوه قوم وتسودُّ وجوه آخرين" (٩).
قال الراغب: " ابيضاض الوجه عبارة عن المسرة، واسودادها عن الغم، وعلى ذلك ﴿ظل وجهه مسودا﴾، ثم قال: ﴿من سوء ما بشر به﴾، وعلى ذلك قوله: ﴿ووجوه يومئذ عليها غبرة﴾، وهذا الابيضاض والاسوداد أبلغ من المحسوسين، وقال بعض المتكلمين: يحمل ذلك على المحسوس، لكونه حقيقة فيه، وهذا خطأ، وذلك لأنه لم يعلم أن ذلك حقيقة فيهما جميعا، فليس الاسوداد والابيضاض أكثر من كيفية عارضة في الوجه، قل ذلك أم كثر، ومعلوم أن من ناله غم شديد يعرض لوجهه - لتبرمه وتكدره -اسوداد في وجهه، وليس قلة السواد والبياض مما يخرج اللفظ عن الحقيقة، ثم حمل الآية على هذا أولى، لأن ذلك حاصل لأهل القيامة باتفاق، سواء كانوا في الدنيا سودانا أو بيضانا، وعلى ذلك ﴿وجوه يومئذ ناضرة﴾ وقوله: ﴿وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة﴾ " (١٠).

(١) صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(٢) أخرجه ابن المنذر (٧٨٦): ص ١/ ٣٢٥.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٥٠): ص ٣/ ٧٢٩.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٥١): ص ٣/ ٧٢٩.
(٥) تفسير التستري: ٥٠.
(٦) الوجيز: ٢٢٦.
(٧) النكت والعيون: ١/ ٤١٥.
(٨) تفسير السمعاني: ١/ ٣٤٧.
(٩) تفسير الطبري: ٧/ ٩٦.
(١٠) تفسير الراغب الأصفهامي: ٢/ ٧٨١ - ٧٨٣.


الصفحة التالية
Icon