قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٦]، أي: " وأما أهل النار الذين اسودت وجوههم فيقال لهم: أجحتّم بعد إيمانكم" (١).
قال التستري: " الكافرين بظلم كفرهم" (٢).
قال الواحدي: " لأنَّهم شهدوا لمحمدٍ عليه السَّلام بالنُّبوَّة فلمَّا قدم عليهم كذَّبوه وكفروا به" (٣).
وفي هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم أقاويل:
الأول: أنهم المنافقون، كفروا بعد إظهار الإيمان بالنفاق، وهو قول الحسن (٤).
والثاني: أنهم الذين كفروا بالارتداد بعد إسلامهم، وهو قول مجاهد، والسدي (٥)، وقتادة (٦).
والثالث: هم الذين كفروا من أهل الكتاب بالنبي - صلى الله عليه وسلم- بعد إيمانهم بِنَعْتِهِ ووصفه، وهو قول الزجاج.
والرابع: أنهم اليهود. قاله الضحاك (٧).
والخامس: هم جميع الكفار لإعراضهم عما يوجبه الإقرار بالتوحيد حين أَشْهَدَهُم الله تعالى على أنفسهم: ﴿أَلسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢]. وهو قول أبي بن كعب (٨)، وابن جريج (٩)، ورجّحه الطري (١٠).
والسادس: انهم الخوارج. قاله أبو أمامة (١١).
قوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦]، " أي: فذوقوا العذاب الشديد بسبب كفركم" (١٢).
الفوائد:
١ - وجوب التذكير بهذا اليوم العظيم الذي ينقسم فيه الناس إلى قسمين: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾، فقسم مبيضة وجوههم: وهم اهل الإيمان والطاعة، وقسم مسودة وجوههم: وهم أهل الكفر والعصيان.
٢ - إثبات البعث والجزاء، وهو احد أركان الإيمان.
٣ - أنه يجمع لهؤلاء الكافرين بين العذاب البدني والنفسي، وذلك بتوبيخهم: ﴿أكفرتم﴾، وقوله: ﴿فذوقوا العذاب﴾.
٤ - إثبات الأسباب، من قوله: ﴿بما كنتم تعملون﴾، لأن الباء سببية.
القرآن
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٠٧)﴾ [آل عمران: ١٠٧]
التفسير:
وأما الذين ابيضَّتْ وجوهم بنضرة النعيم، وما بُشِّروا به من الخير، فهم في جنة الله ونعيمها، وهم باقون فيها، لا يخرجون منها أبدًا.
قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٧]، "أي: وأما السعداء الأبرار الذين ابيضت وجوههم " (١٣).
قال قتادة: " هؤلاء أهل طاعة الله، والوفاء بعهد الله" (١٤).

(١) انظر: صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(٢) تفسير التستري: ٥٠.
(٣) الوجيز: ٢٢٦.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٧٦٠٥): ص ٧/ ٩٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٧٦٠٢): ص ٧/ ٩٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٧٦٠١): ص ٧/ ٩٤.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٥٤): ص ٣/ ٧٢٩.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٧٦٠٤): ص ٧/ ٩٤.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٥٧): ص ٣/ ٧٣٠.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ٩٥.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٦٠٣): ص ٧/ ٩٤.
(١٢) صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(١٣) صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٦٠): ص ٣/ ٧٣٠.


الصفحة التالية
Icon