ومن جازاه منهم بما جازاه: من تبييض وجهه وتكريمه وتشريف منزلته لديه، بتخليده في دائم نعيمه، فبغير ظلم منه لفريق منهم، بل بحق استوجبوه، وأعمال لهم سلفت، جازاهم عليها" (١).
قوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٨]، " أي: وما كان الله ليظلم أحداً من العالمين" (٢).
قال الزجاج: " أي: من أعلم الله أنه يعذبه فباستحقاق يعذبه" (٣).
قال السمرقندي: " يعني لا يعذبهم بغير ذنب" (٤).
قال الماتريدي: " أي: لا يريد أن يظلمهم، وإن شئت قلت: قلت الإرادة صفة لكل فاعل في الحقيقة؛ فكأنه قال: لا يظلمهم، وكيف يظلم؟ ! وإنما يظلم بنفع تسره إليه النفس، أو ضرر يدفع به، فالغني بذاته متعال عن ذلك" (٥).
قال ابن كثير: " أي: ليس بظالم لهم بل هو الحَكَم العدل الذي لا يجور؛ لأنه القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدا من خلقه" (٦).
قال الزمخشري: " ونكر ظلما وقال للعالمين على معنى ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه" (٧).
قال أبو السعود: " تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه فإن تنكيرَ الظلم وتوجيهَ النفي إلى إرادته بصيغة المضارعِ دون نفسِه وتعليقَ الحكمِ بآحاد الجمع المعرف والالتفاتُ إلى الإسم الجليل إشعارا بعلة الحكم بيان لكمال نزاهتة عز وجل عن الظلم بما لا مزيدَ عليهِ أي ما يريد فرداً من أفراد الظلم لفرد من أفراد العالمين في وقتٍ من الأوقاتِ فضلاً عن أن يظلِمَهم فإن المضارعَ كما يفيد الاستمرارَ في الإثبات يفيده في النَّفي بحسبِ المقامِ كما أن الجملةَ الاسمية تدل بمعونة المقام على دوام الثبوتِ وعند دخولِ حرفِ النفي تدل على دوام الانتفاءِ لا على انتفاء الدوامِ وفي سبك الجملةِ نوعُ إيماءٍ إلى التعريض بأن الكفرَةَ هم الظالمون ظلُموا أنفسَهم بتعريضِها للعذابِ الخالد كما في قوله تعالى ﴿إِنَّ الله لا يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ " (٨).
الفوائد:
١ - إن القرآن كلام الله تعالى، لأنه تعالى أضافه إلى نفسه، فقال: ﴿آيات الله﴾.
٢ - أن من كان وكيلا عن الغير، فله حكم ذلك الذي وكله، لأن الله أضاف التلاوة إليه مع ان التالي رسوله.
٣ - أن كتاب الله تعالى كله حق ليس فيه باطل، فجميع أحكامه حق، وجميع اخباره حق، وليس فيه تناقض ولا اختلاف.
٤ - إثبات رسالة النبي-صلى الله عليه وسلم- إ ١ قال: ﴿نتلوها عليك﴾، فيكون المتلو عليه هذه الآيات قطعا رسولا لله رب العالمين.
٥ - إثبات إرادة الله، لقوله: ﴿وما الله يريد ظلما للعالمين﴾، وهو نفي لإرادة الظلم، إذن فغير الظلم يريده.
٦ - أنه إذا انتفت إرادة الظلم انتفى الظلم.
القرآن
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩)﴾ [آل عمران: ١٠٩]
التفسير:
ولله ما في السموات وما في الأرض، ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا، ومصير جميع الخلائق إليه وحده، فيجازي كلا على قدر استحقاقه.
في سبب نزول الآية:
(٢) انظر: صفوة التفاسير: ٢٠٢. [بتصرف].
(٣) معاني القرآن: ١/ ٤٥٥.
(٤) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٣٧.
(٥) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٥٤.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ٩٣ - ٩٤.
(٧) الكشاف: ١/ ٤٠٠.
(٨) تفسير أبي السعود: ٢/ ٧٠.