قال الماتريدي: " فيه بشارة لرسول الله - ﷺ - وللمؤمنين، بالأمن لهم عن أذى المشركين وضررهم، إلا أذى باللسان" (١).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ [آل عمران: ١١١]، أي: " وإن يقاتلكم أهلُ الكتاب من اليهود والنصارى يهزَموا عنكم، فيولوكم أدبارهم" (٢).
قال الزجاج: " يعني به أهل الكتاب؛ وأعلمهم في هذه الآية أنهم إن قاتلوهم ولوهم الأدبار وسلبوا النصر وكذلك كان أمر إليهود" (٣).
قال السمرقندي: " يعني إن أعانوكم في القتال، فلا منفعة لكم منهم لأنهم ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ﴾ وينهزمون، ويقال: إن خرجوا إلى قتالكم، وأرادوا قتالكم يولون الأدبار، أي ينهزمون منكم" (٤).
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١]، أي: " ثم لا ينصرهم الله" (٥).
قال البيضاوي: أي: " ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم، نفي إضرارهم سوى ما يكون بقول وقرر ذلك بأنهم لو قاموا إلى القتال كانت الدبرة عليهم، ثم أخبر بأنه تكون عاقبتهم العجز والخذلان" (٦).
قال السمرقنديأي: :" لا يُمْنَعون من الهزيمة، فكأنه يحكي ضعفهم عن القتال، يقول: لو كانوا عليكم لا يضرونكم، ولو كانوا معكم لا ينفعونكم، وهذا حالهم إلى يوم القيامة وَهُمْ اليهود ليس لهم شوكة، ولا قوة القتال في موضع من المواضع" (٧).
وقرئ: ﴿لا ينصروا﴾، عطفا على يولوا على أن ثم للتراخي في الرتبة، فيكون عدم النصر مقيدا بقتالهم (٨).
قال ابن الجوزي: " قال جمهور المفسرين: معنى الكلام: لن يضروكم ضرا باقيا في جسد أو مال، إنما هو شيء يسير سريع الزوال، وتثابون عليه. وهذا لا ينافي الأمر بقتالهم فالآية محكمة على هذا، ويؤكده أنها خبر، والأخبار لا تنسخ.
وقال السدي: الإشارة إلى أهل الكتاب وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم فنسخت بقوله: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ (٩)، والأول أصح" (١٠).
الفوائد:
١ - أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لن يضروا المسلمين، وهذا الضمان الإلهي لما كان المؤمنون على الإيمان حقا.
٢ - أن هؤلاء لاينصرهم الله على المؤمنين، وهو أيضا مشروط بأن نتمسك بديننا عقيدة وقولا وعملا.
القرآن
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)﴾ [آل عمران: ١١٢]
التفسير:
(٢) تفسير الطبري: ٧/ ١٠٩.
(٣) معاني القرآن: ١/ ٤٥٧.
(٤) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٣٨.
(٥) تفسير الطبري: ٧/ ١٠٩.
(٦) تفسير البيضاوي: ٢/ ٣٣.
(٧) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٣٨.
(٨) انظر: تفسير البيضاوي: ٢/ ٣٣.
(٩) الآية (٢٦) من سورة التوبة.
(١٠) نواسخ القرآن: ٣٣٣. وقد ذكر دعوى النسخ في هذه الآية هبة الله بن سلامة في ناسخه ص: ٢٩، ولم يتعرض له غيره من أصحاب أمهات كتب النسخ كما لم يذكر النسخ أحد من الطبري وابن الجوزي، وابن كثير في تفاسيرهم.