قال الشاعر (١):

إن جنبي عن الفراش لناب كتجافي الأسر فوق الظراب
وفيه وجه آخر: قال الكسائي: النبي بغير همز: الطريق، فسمي الرسول نبيا، وإنما دقائق الحصا لأنه طريق إلى الهدى (٢)، ومنه قول الشاعر (٣):
لأصبح رتما دقاق الحصى مكان النبي من الكاثب
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [آل عمران: ١١٢]، أي: إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله وقَتْل رُسُل الله" بسبب تمردهم وعصيانهم أوامر الله تعالى" (٤).
قال الطبري: أي: " فعلنا بهم ذلك بكفرهم، وقتلهم الأنبياء، ومعصيتهم ربَّهم، واعتدائهم أمرَ ربهم" (٥).
قال السمرقندي: استحقوا ذلك"الغضب، بأفعالهم، كلما ذكر الله عقوبة قوم في كتابه بيّن المعنى الذي يعاقبهم لذلك، لكيلا يظن أحد أنه عذَّبهم بغير جُرْم" (٦).
قال ابن كثير: " أي: إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله وقَتْل رُسُل الله وقُيِّضوا لذلك أنّهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله، عز وجل، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء في شرع الله" (٧).
قال قتادة: " اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك قبلك من الناس" (٨).
الفوائد:
١ - أن هؤلاء الذين ينتسبون للكتاب ولاسيما اليهود منهم، قد ضربت عليهم الذلة، فهم أرذل الناس.
٢ - أن هؤلاء قد يكون لهم عزة بحبل من الله وحبل من الناس، وهو إما الاسلام او الذمة، وإن كان هو الاسلام فإن الاستثناء منقطع، لأنهم إذا أسلموا لم يكونوا من أهل الكتاب، بل صاروا من المسلمين، وعلى معنى الذمة، فإن الاستثاء متصل.
٣ - أن الناس قد ينصر بعضهم بعضا بالباطل، يتضح من قوله: ﴿وحبل من الناس﴾.
٤ - إثبات الغضب لله تعالى، ومذهب أهل السنة والجماعة في مثل هذه الصفة إثباتها على الوجه اللائق.
٥ - إثبات العلة، أي أن أفعال الله تعالى معللة، أي مقرونة بالحكمة، لقوله: ﴿ذلك بأنهم﴾.
٦ - أن الكفر بآيات الله سبب للعقوبات.
٧ - عتو بني اسرائيل بالكفر وقتل الأنبياء والمعصية والعدوان.
القرآن
﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)﴾ [آل عمران: ١١٣]
ليس أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم، مقبلين على مناجاة الله في صلواتهم.
في سبب نزول الآية أقوال:
أحدها: أخرج الطبري عن ابن عباس: " لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سَعْية، وأسَيْد بن سعية، وأسد بن عُبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدَّقوا ورغبوا في الإسلام، ورسخوا فيه، قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا
(١) انظر: كتاب العين: ٦/ ١٩٠.
(٢) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ٢٠٧.
(٣) انظر: كتاب العين: ٦/ ١٩٠، والصحاج: ٦/ ٢٥٠.
(٤) صفوة التفاسير: ٢٠٢.
(٥) تفسير الطبري: ٧/ ١١٧.
(٦) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٣٩.
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٠٤.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٣٣): ص ١/ ١٢٦.


الصفحة التالية
Icon