والوصف بالصلاح هو غاية المدح، ونهاية الشرف والفضل، فقد مدح الله به أكابر الأنبياء كإسماعيل وإدريس وذى الكفل فقال: ﴿وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وقال حكاية عن سليمان: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.
ولأنه ضد الفساد، وهو ما لا ينبغى فى العقائد والأفعال، فهو حصول ما ينبغي فى كل منهما، وذلك منتهى الكمال، ورفعة القدر، وعلوّ الشأن" (١).
قال الراغب: " وبيّن تعالى في آخر الآية أن فاعل ذلك من الصالحين، والأقرب في ﴿من﴾ أن تكون للتبيين وأنهم هم الصالحون، ولذلك قال في الأول ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ " (٢).
ويجدر القول بأن "المسارعة والمبادرة والعجلة تتقارب، لكن السرعة أعمها
والمبادرة لا تكاد تستعمل إلا في البدن، والعجلة أكثر ما تستعمل فيما يتحرى عن غير فكر وروية، أو في إمضاء العزيمة قبل استكمال الروية، ولهذا يقال: "العجلة من الشيطان "، وقال تعالى: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه)، فإن قيل: لو كانت مذمومة لما قال موسى: (وعجلت إليك رب لترضى).
قيل: موسى عليه السلام أورد ذلك على سبيل الاعتذار إبانة أنه قصد فعلا محمودا، وإن تحرى العجلة فيه، ومن قصد فعلا محمودا فقد يعذر في وقوع ما يكره منه، والمسارعة في الخير هي أن يتدرج الإنسان في ازدياد العرفة بفضله، واختياره والسرور بتعاطيه، وتقديمه على الأمور الدنيوية، وأن لا تؤخره عن أول وقت إمكان فعله وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الحديد: ٢١]، ومدح تعالى قوما فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة: ١٠]، أي يسابقون بهممهم وأبدانهم، فلذلك كرره، ولمراعاة المسارعة وكون بعض المسارعين أعلى منزلة من بعض قال تعالى: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣] " (٣).
قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: " وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين، ومن الإيمان بالله، لأن إيمانهم به كلا إيمان لإشراكهم به عزيرا، وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض. ومن الإيمان باليوم الآخر، لأنهم يصفونه بخلاف صفته. ومن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لأنهم كانوا مداهنين. ومن المسارعة في الخيرات، لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها. والمسارعة في الخير: فرط الرغبة فيه لأن من رغب في الأمر سارع في توليه والقيام به وآثر الفور على التراخي وأولئك الموصوفون بما وصفوا به من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم واستحقوا ثناءه عليهم. ويجوز أن يريد بالصالحين المسلمين فلن يكفروه لما جاء وصف الله عز وعلا بالشكر في قوله: ﴿وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: ١٧] في معنى توفيه الثواب نفى عنه نقيض ذلك" (٤).
الفوائد:
١ - الثناء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٢ - الثناء على المسارعة في الخيرات.
٣ - الثناء على من تلك صفته بالصلاح.
القرآن
﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)﴾ [آل عمران: ١١٥]
التفسير:
وأيُّ عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند الله، بل يُشكر لهم، ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات; ابتغاء رضوان الله، وطلبًا لثوابه.

(١) تفسير المراغي: ٤/ ٣٧.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني: ٢/ ٨١٠.
(٣) تفسير الراغب الأصفهاني: ٢/ ٨١٠.
(٤) الكشاف: ١/ ٤٠٣.


الصفحة التالية
Icon