القرآن
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١٦)﴾ [آل عمران: ١١٦]
التفسير:
إن الذين كفروا بآيات الله، وكذبوا رسله، لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئًا من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة، وأولئك أصحاب النار الملازمون لها، لا يخرجون منها.
في سبب نزول الآيتان (١١٦ - ١١٧) وجوه:
أحدها: قال مقاتل: " ثم ذكر نفقة سفلة اليهود من الطعام والثمار على رءوس اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه يريدون بها الآخرة" (١).
والثاني: نقل ابن حجر عن ابن ظفر: "لما تضمن قوله تعالى فيما قبله وصف المؤمنين، ذكر بعدها ما اعتمده الكفار وأهل الكتاب من إنفاق أموالهم في الصد عن سبيل الله وإن ذلك لا يغني عنهم شيئا" (٢).
والثالث: أخرج الطبري عن مجاهد، أن المراد: " نفقة الكافر في الدنيا" (٣).
والرابع: نقل الثعلبي وتبعه ابن حجر (٤) عن يمان بن المغيرة: أنه" يعني: نفقات أبي سفيان وأصحابه ببدر وأُحُد على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم" (٥).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١١٦]، " أي: إن الذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" (٦).
قال الطبري: أي: " الذين جحدوا نبوة محمد ﷺ وكذبوا به وبما جاءهم به من عند الله" (٧).
قال ابن عثيمين: يشمل كل من كفر بالله، فهذا حكمه" (٨).
وأصْلُ (الكفر) عند العرب: تَغطيةُ الشيء، ولذلك سمَّوا الليل " كافرًا "، لتغطية ظُلمته ما لبِستْه، كما قال الشاعر (٩):
فَتَذَكَّرَا ثَقَلا رًثِيدًا، بَعْدَ مَا | أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينَهَا في كافِرِ |
يَعْلُو طَريقةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِرَا | فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومُ غَمَامُهَا |
قوله تعالى: ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١١٦]، " أي: لن تفيدهم الأموال والأولاد في الآخرة، من عذاب الله وأليم عقابه " (١٢).
(٢) العجاب: ٢/ ٧٣٩.
(٣) تفسير الطبري (٦٧٧٦): ص ٧/ ١٣٥، وابن أبي حاتم (٤٠٢٤): ص ٣/ ٧٤١، وإسنادهما حسن.
(٤) انظر: العجاب: ٢/ ٧٣٩.
(٥) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٣٣، ولم أجد هذا القول في تفسير الطبري وابن أبي حاتم، وأسباب النزول للواحدي، وتفسير ابن كثيرـ ولباب النقول للسيوطي.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٢٧.
(٧) تفسير الطبري: ٧/ ١٣٣.
(٨) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٨٦..
(٩) الشعر لثعلبة بن صعير المازني، شرح المفضليات: ٢٥٧. والضمير في قوله " فتذكرا " للنعامة والظليم. والثقل: بيض النعام المصون، والعرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون: ثقل. ورثد المتاع وغيره فهو مرثود ورثيد: وضع بعضه فوق بعض ونضده. وعنى بيض النعام، والنعام تنضده وتسويه بعضه إلى بعض. وذكاء: هي الشمس.
(١٠) انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني: ١٠٠، ويروى " ظلامها ". يعني البقرة الوحشية، قد ولجت كناسها في أصل شجرة، والرمل يتساقط على ظهرها.
(١١) تفسير الطبري: ١/ ٢٥٥.
(١٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٧١.