وقال الحسن: "ينقصون" (١).
قال السمرقندي: " يعني أصحاب الزرع هم ظلموا أنفسهم بمنع حق الله تعالى، فكذلك الكفار أبطلوا ثواب أعمالهم بالشرك بالله تعالى" (٢).
قال الماتريدي: " والظلم: ما ذكرنا: هو وضع الشيء في غير موضعه، فهو - والله أعلم - قال: هم الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها، لا أن وضع الله أنفسهم ذلك الموضع؛ لأنهم عبدوا غير الله، ولم يجعلوا أنفسهم خالصين سالمين لله، فهم الذين ظلموا أنفسهم؛ حيث أسلموها لغير الله، وعبدوا دونه، فذلك وضعها في غير موضعها؛ لأن وضعها موضعها هو أن يجعلوها خالصة لله، سالمة له" (٣).
وقيل: ما ضروا الله بعبادتهم غيره وبكفرهم به، إنما ضروا أنفسهم؛ إذ لا حاجة له إلى عبادتهم" (٤).
الفوائد:
١ - إثبات القياس، لقوله: ﴿{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ﴾، لأن المثل إلحاق للأصل بالفرع، إلحاق للمشبه بالمشبه به، وهذا هو اصل القياس.
٢ - حسن او تمام بلاغة القرآن، وذلك بقياس الغائب على الشاهد، ووجهه أن الريح التي فيها صرّ وأصابت حرث قوم ظلموا انفسهم كل يعرف أنها مدمرة ومهلكة، فكذلك أعما الكافرين هالكة لاخير فيها، لأن الكفر مدمر لها.
٣ - أن الكافر لن ينتفع بما عمل في الآخرة، لأنه إذا هلك عمله وزال فإنه لن ينفعه، لكن قد ينفعه في الدنيا، فيدفع عنه به من البلاء ما يدفع، أو يحصل من الخير الذي يرجوه ما يحصل بسبب الإنفاق الذي أنفقه من ماله.
٤ - انتفاء الظلم عن الله.
القرآن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)﴾ [آل عمران: ١١٨]
التفسير:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، تُطْلعونهم على أسراركم، فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم، وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه، وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم، وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم البراهين والحجج، لتتعظوا وتحذروا، إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه.
في سبب نزول الآية وجوه:
أحدها: قال ابن عباس: ": كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحِلْف في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل فيهم، ينهاهم عن مباطنتهم تخوُّف الفتنة عليهم منهم: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم﴾ إلى قوله: ﴿وتؤمنون بالكتاب كله﴾ " (٥).
والثاني: وأخرج الطبري عن مجاهد في قول الله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا﴾، في المنافقين من أهل المدينة. نهى الله عز وجل المؤمنين أن يتولَّوهم" (٦). وري عن ابن عباس (٧) أيضا، والسدي (٨)، وقتادة (٩)، والربيع (١٠)، وابن جريج (١١)، وابن زيد (١٢)، نحو ذلك.

(١) تفسير يحيى بن سلام: ١/ ٦٢.
(٢) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٤١.
(٣) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦٢.
(٤) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦٢.
(٥) أخرجه الطبري (٧٦٨٠): ص ٧/ ١٤١.
(٦) تفسير الطبري (٧٦٨١): ص ٧/ ١٤١.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٧٦٨٣): ص ٧/ ١٤١.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٧٦٨٦): ص ٧/ ١٤٣.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٧٦٨٢): ص ٧/ ١٤١.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٧٦٨٤): ص ٧/ ١٤١ - ١٤٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٦٨٧): ص ٧/ ١٤٣.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٧٦٨٨): ص ٧/ ١٤٣.


الصفحة التالية
Icon