قال ابن كثير: " أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتُكنُّه سَرَائرُكُم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤمّلون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، فلا خروج لكم منها" (١).
وفي حرف حفصة: " ﴿قل موتوا بغيظكم لن تضرونا شيئا﴾ " (٢).
الفوائد:
١ - بيان علم الله تعالى بما في القلوب، لأن المحبة والكراهية من أعمال القلوب، ولايطلع عليها إلا الله تعالى، لكن لها آثار تدل عليها.
٢ - التحذير ممن يبدي أنه ناصح لك وقلبه كاره لك، وعليه يجب عدم الاغترار بمن ظاهر حاله النصح، بل يجب القياس على الأفعال، لأن العبرة بالأفعال لا بالأقوال.
٣ - أن هذه الأمة الاسلامية تؤمن بجميع الكتب المنزلة من عند الله.
٤ - إثبات الأسباب، لقوله: ﴿من الغيظ﴾، لأن ﴿من﴾ سببية، أي بسبب الغيظ، فكل مسبب له سبب قطعا.
٥ - ينبغي للمسلم أن يكون قويا أمام أعدائه، لقوله: ﴿قل موتوا بغيظكم﴾.
٦ - إثبات علم الله لما في القلوب على وجه صريح، لقوله: ﴿إن الله عليم بذات الصدور﴾، ودلالة هذه الجملة على علم الله بما في القلوب دلالة مطابقة، ودلالة قوله: ﴿ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم﴾ دلالة التزام.
القرآن
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)﴾ [آل عمران: ١٢٠]
التفسير:
ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن، وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك، وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك.
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٠]، " أي: إن أصابكم ما يسركم من رخاءٍ وخصبٍ ونصرة وغنيمة ونحو ذلك ساءتهم" (٣).
قال قتادة: " فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم" (٤).
قال الربيع: "، قال: هم المنافقون، إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك غيظًا شديدًا وساءهم" (٥).
قال ابن كثير: " وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب، ونصر وتأييد، وكثروا وعزّ أنصارهم، ساء ذلك المنافقين" (٦).
قال الراغب: " الحسنة: عبارة عن كل ما يستحسنه الإنسان مما يسره من نعمة ينالها في بدنه وماله، وجاهه، والسيئة تضادها، والمس والإصابة يستعملان في الخير والشر، إلا أن المصيبة اختصت، بما يسوء" (٧).
وقرأ السلمي: ﴿يمسسكم﴾، بالياء (٨).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾ [آل عمران: ١٢٠]، "أي: وإن أصابكم ما يضركم
من شدةٍ وجدبٍ وهزيمةٍ وأمثال ذلك سرتهم" (٩).
(٢) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦٥.
(٣) صفوة التفاسير: ٢٠٥.
(٤) أخرجه الطبري (٧٧٠٥): ص ٧/ ١٥٥.
(٥) أخرجه الطبري (٧٧٠٦): ص ٧/ ١٥٦.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٧) تفسير الراغب الأصفهاني: ٢/ ٨٣٠ - ٨٣١.
(٨) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٣٦.
(٩) صفوة التفاسير: ٢٠٥.