وقرأ يحيى بن ثاب: ﴿تبوي المؤمنين﴾، خفيفة غير مهموزة، قال الثعلبي: " والتشديد أفصح وأشهر، وتصديقه قوله تعالى: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق «١»، وقال لنبوئنهم من الجنة غرفا" (١).
واختلف في أي حرب كان قوله تعالى: ﴿تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١]، وفيه وجوه:
أحدها: أنه يوم أحد. قاله ابن عباس (٢)، وهو معنى قول عبدالرحمن بن عوف (٣)، وهو قول الأكثرين (٤).
والثاني: أنه يوم الأحزاب. وهذا قول الحسن (٥).
والثالث: وقيل: أنه كان يوم الخندق (٦).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١]، " أي: والله سميع لأقوالكم عليمٌ بأحوالكم" (٧).
قال محمد بن إسحاق: " أي: سميع لما يقولون، عليم بما يخفون" (٨).
قال الماتريدي: " يحتمل. سميع لمقالتكم؛ عليم بسرائركم، ويحتمل: سميع بذكركم الله والدعاء له؛ لأنهم أمروا بالذكر لله، والثبات للعدو بقوله - عز وجل -: (فاثبتوا واذكروا الله كثيرا)، وعليم بثوابكم، ويحتمل قوله: ﴿سميع عليم {: البشارة من الله - عز وجل - بالنصر لهم، والأمن من ضرر يلحقهم؛ كقوله - تعالى - لموسى وهارون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (٤٤) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى (٤٥)﴾ [طه: ٤٤ - ٤٥]، ثم قال - عز وجل -: ﴿قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى﴾ [طه: ٤٦]، أمنهما من عدوهما بقوله - عز وجل -: ﴿أسمع وأرى﴾، فعلى ذلك يحتمل ذا في قوله - عز وجل -: ﴿سميع عليم﴾، ويكون سميع: أي: أسمع دعاءكم؛ بمعنى: أجيب، وأعلم ما به نصركم وظفركم" (٩).
الفوائد:
١ - حسن تدبير رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في الحرب.
٢ - أنه ينبغي للقائد أن يبوئ أمكنة المقاتلين يعرّف كل واحد منهم مكانه وعمله، لأن للنظام فوائد كبيرة ولاسيما في هذه الأعمال.
٣ - شهادة الله تعالى للذين خرجوا في احد بأنهم مؤمنون، لأن المنافقين رجعوا قبل أن يصلوا إلى مكان القتال في أثناء السير.
٤ - إثبات هذين الإسمين لله، وهما: السميع والعليم، فالسميع يتعلق بالأصوات، والعليم يتعلق بما هو اعم، بما يدرك بالسمع وماما يدرك بالبصر وغير ذلك، فالعليم هو من اوسع الأسماء دلالة.
القرآن
﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢)﴾ [آل عمران: ١٢٢]
التفسير:
اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر بني سَلِمة وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أُبيٍّ; خوفًا من لقاء العدو، ولكن الله عصمهم وحفظهم، فساروا معك متوكلين على الله. وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون.
في سبب نزول الآية: أخرج البخاري (١٠) ومسلم (١١) وغيرهما (١٢)، من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار: " سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة، وما نحب أنها لم تنزل لقول الله ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ " (١٣).
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٠٦٩): ص ٣/ ٧٤٨.
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٠٧٤): ص ٣/ ٧٤٩.
(٤) انظر: تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦٦.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٠٧٠): ص ٣/ ٧٤٨.
(٦) انظر: تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦٦.
(٧) صفوة التفاسير: ٢٠٧.
(٨) أخرجه الطبري (٧٧١٩): ص ٧/ ١٦٥.
(٩) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦٧.
(١٠) في "صحيحه" كتاب "المغازي" باب غزوة أحد "الفتح" "٧/ ٣٥٧" وكتاب التفسير "الفتح" "٨/ ٢٢٥".
(١١) في "صحيحه"، كتاب "فضائل الصحابة"، باب من فضائل الأنصار "٤/ ١٩٤٨".
(١٢) كالطبري "٧/ ١٦٧" "٧٧٢٨" وابن حاتم "٢/ ١/ ٥١١" "١٣٢٠" و"٥١٤" "١٣٣٠".
وزاد السيوطي "٢/ ٣٠٥" نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "الدلائل".
(١٣) العجاب: ٢/ ٧٤٠ - ٧٤١.