أحدها: أخرج الطبري عن الشعبي قال: "حُدِّث المسلمون أن كرزَ بن جابر المحاربي يريد أن يمدّ المشركين ببدر، قال: فشق ذلك على المسلمين؛ فأنزل الله عز وجلّ: ﴿ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم﴾ إلى قوله: ﴿من الملائكة مسومِّين﴾، قال: فبلغته هزيمة المشركين، فلم يمدّ أصحابه، ولم يمدُّوا بالخمسة" (١)، وروي نحو ذلك المعنى عن مالك بن ربيعة (٢)، وابن عباس (٣)، والحسن (٤)، وقتادة (٥)، والربيع (٦)، ومجاهد (٧).
والثاني: أن ذلك الإمداد كان يوم الاحزاب. وهذا قول عبد الله بن أبي أوفى (٨).
والثالث: أن الآية في سياق معركة أحد، إذ وعدهم الله عز وجل المدد إن صبروا، فلم يصبروا فلم يمدوا. وهذا قول عكرمة (٩)، والضحاك (١٠)، وابن زيد (١١).
والرابع: ونقل الثعلبي وجها آخر، فقال: " وكان هذا يوم أحد حين انصرف أبو سفيان وأصحابه وذلك أن رسول الله ﷺ كان يخاف أن يدخل المشركون المدينة، فبعث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: «اخرج على آثار القوم فانظر ما يصنعون وما يريدون، فإن كانوا قد أجبنوا الخيل وركبوا وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، فو الذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم». قال علي -رضي الله عنه-: «فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون، فإذا هم قد أجبنوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة، وقد كان رسول الله ﷺ قال: أي ذلك كان فأخفه حتى تأتيني، فلما رأيتهم قد توجهوا إلى مكة أقبلت أصيح ما أستطيع أن أكتم لما بي من الفرح، وانصرفوا إلى مكة وانصرفنا إلى المدينة، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم﴾، يعني: أن انصرفوا إليكم ودخلوا المدينة" (١٢).
قوله تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤]، أي: " إذ تقول يامحمد للمؤمنين بك من أصحابك" (١٣).
قوله تعالى: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾ [آل عمران: ١٢٤]، أي: " أما يكفيكم أن يعينكم الله بإمداده لكم بثلاثة آلاف من الملائكة" (١٤).
قال الماوردي: " والكفاية مقدار سد الخلة، والاكتفاء الاقتصار عليه، والإمداد إعطاء الشيء حالاً بعد حال، والأصل في الإمداد هو الزيادة ومنه مد الماء وهو زيادته " (١٥).
وفي الفرق بين أمدّه ويمده، قولان:
أحدهما: أن كل ما كان على جهة القوة والإعانة، قيل فيه: أمده يمده إمدادا، وكل ما كان على جهة الزيادة قيل: مده يمده مدا، ومنه قوله: ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ [لقمان: ٢٧]. وهذا قول المفضل (١٦).
والثاني: وقيل: أن المد في الشر، والإمداد في الخير. يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥]، وقوله: ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٩].
(٣) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٠): ص ٧/ ١٧٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٧٧٤٥): ص ٧/ ١٧٤.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٤): ص ٧/ ١٧٧ - ١٧٨.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٥): ص ٧/ ١٧٨.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٧): ص ٧/ ١٧٨.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٨): ص ٧/ ١٧٨ - ١٧٩.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٩): ص ٧/ ١٧٩ - ١٨٠.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٧٧٦١): ص ٧/ ١٨٠.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٧٦٢): ص ٧/ ١٨٠.
(١٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٢ - ١٤٣.
(١٣) تفسير الطبري: ٧/ ١٧٣.
(١٤) صفوة التفاسير: ٢٠٧.
(١٥) النكت والعيون: ١/ ٤٢١.
(١٦) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٣.