قال النضر بن شميل: "يغيظهم" (١)
قال المبرد: "يظفر عليهم" (٢)
وقال أبو عبيدة: "الكَبْت: الإهلاك، تقول العرب: كبته الله لوجهه، أي صرعه الله" (٣).
وقيل: معنى ﴿يَكْبِتَهُمْ﴾: " هو أن يغيظهم ويحزنهم، وكذلك قال في قوله في سورة المجادلة: ﴿كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [المجادلة: ٥] ويقال: كبت الله عدوّك، وهو بما قال أبو عبيدة أشبه. واعتبارُها قوله: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٥]، لأن أهل النظر يرون أن "التاء" فيه منقلبة عن "دال"، كأن الأصل فيه: يَكْبدُهُم أي يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ وشدة العداوة. ومنه يقال: فلان قد أحرق الحزن كبدَه. وأحرقت العداوة كبده. والعرب تقول للعدو: أسود الكبد. قال الأعْشَى (٤):
فما أُجْشِمْتُ من إتيان قَوْمٍ | هُمُ الأعداءُ والأكبادُ سُودُ |
قوله تعالى: ﴿فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٧]، أي: ": فيرجعوا عنكم خائبين، لم يصيبوا منكم شيئًا مما رجوا أن ينالوه منكم" (٦).
قال محمد بن إسحاق: " أي ويرجع من بقى منهم فلا خائبين لم ينالوا شيئا مما كانوا يأملون" (٧).
قال الزجاج: " الخائب الذي لم ينل ما أمل" (٨).
قال الماوردي: " والفرق بين الخائب والآيس أن الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون قبل أمل " (٩).
الفوائد:
١ - إثبات الحكمة لله تعالى في أفعاله وتشريعاته، وذلك لأن اللام للتعليل والتعليل هو الحكمة.
٢ - أن الله يسلط المؤمنين على الكفار ليقطع طرفا من الذين كفروا، وليس كل الذين كفروا، لأن حكمة الله أن يبقى الإيمان والكفر متصارعين دائما حتى يتبين المؤمن الخالص من غيره.
٣ - أن مآل الكفار واحد من هذه الأمور: إهلاكهم أو خذلانهم.
القرآن
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)﴾ [آل عمران: ١٢٨]
التفسير:
ليس لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء، بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك له، ولعل بعض هؤلاء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيسلموا، فيتوب الله عليهم. ومن بقي على كفره يعذبه الله في الدنيا والآخرة بسبب ظلمه وبغيه.
اختلف في سبب نزول الآية على أقوال:
أحدها: ذكر أن الله عز وجل إنما أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لما أصابه بأحُد ما أصابه من المشركين، قال، كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق: " كيف يفلح قومٌ فعلوا هذا
(١) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٥.
(٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٥.
(٣) مجاز القرآن: ١٠٢.
(٤) ديوانه ٢١٥، واللسان ٤/ ٣٧٨.
(٥) غريب القلاآن لابن قتيبة: ١١٠ - ١١١.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ١٩٣.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٢٣): ص ٣/ ٧٥٦.
(٨) معاني القرآن: ١/ ٤٦٧.
(٩) النكت والعيون: ١/ ٤٢٢.
(٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٥.
(٣) مجاز القرآن: ١٠٢.
(٤) ديوانه ٢١٥، واللسان ٤/ ٣٧٨.
(٥) غريب القلاآن لابن قتيبة: ١١٠ - ١١١.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ١٩٣.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٢٣): ص ٣/ ٧٥٦.
(٨) معاني القرآن: ١/ ٤٦٧.
(٩) النكت والعيون: ١/ ٤٢٢.