قوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠]، أي: "، لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم" (١).
قال ابن إسحاق: " أي: لا تأكلوا في الإسلام إذ هداكم الله له، ما كنتم تأكلون إذ أنتم على غيره، مما لا يحل لكم في دينكم" (٢).
قال الطبري: " وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم: أنّ الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخِّر عنى ديْنك وأزيدك على مالك. فيفعلان ذلك. فذلك هو " الربا أضعافًا مضاعفة "، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه" (٣).
قال سعيد بن جبير: " وذلك أن الرجل كان يكون له على الرجل مال فإذا حل لأجل طلبه من صاحبه، فيقول المطلوب أخر عني وأزيدك في مالك، فيفعلان ذلك فذلك الربا أضعافا مضاعفة، فوعظهم الله تعالى" (٤). وروي عن مقاتل بن حيان نحو ذلك (٥).
قال ابن وهب: " سمعت ابن زيد يقول في قوله: " لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة "، قال: كان أبي يقول: إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن. يكون للرجل فضل دين، فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوَّله إلى السن التي فوق ذلك إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حِقَّة، ثم جَذَعة، ثم رباعيًا، ثم هكذا إلى فوق وفي العين يأتيه، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضًا، فتكون مئة فيجعلها إلى قابل مئتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمئة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه. قال: فهذا قوله: ﴿لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة﴾ " (٦).
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس: " نهى الله تعالى عن الربا كأشد النهي، فاتقوا الربا والريبة، وكان يقول: الربا من الكبائر" (٧).
وقال قتادة: " إياكم وما خالط هذه البيوع من الربا فإن الله قد أوسع الحلال وأكثره وأطابه، ولا يلجئنكم إلى المعصية فاقة" (٨).
وقرأ أبو جعفر وشيبة: ﴿مضعفة﴾ (٩).
قال الراغب: " إن قيل: لم قال: (أضعافا مضاعفة) فجمع بين اللفظتين؟
قيل: قال بعضهم ذلك للتأكيد.
وقيل مضاعفة من الضعف لا من الضعف، ومعناه ما تعدونه ضعفا هو ضعف، أي نقص، كقوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو﴾ [الروم: ٣٩]، وقوله: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٦]، ومن هذا أخذ بعض المحدثين (١٠):
زيادة شيب وهي نقص زيادتي | وقوة جسم وهي من قوتي ضعف" (١١). |
(٢) أخرجه الطبري (٧٨٢٤): ص ٧/ ٢٠٤.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٢٠٤.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٤٢): ص ٣/ ٧٥٩.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤١٤٢): ص ٣/ ٧٥٩.
(٦) أخرجه الطبري (٧٨٢٦): ص ٧/ ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٧) تفسير ابن أبي حاتم (٤١٤٠): ص ٣/ ٧٥٩.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٤١): ص ٣/ ٧٥٩.
(٩) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٧.
(١٠) البيت من شواهد الراغب في تفسيره: ٣/ ٨٥١، ولم أتعرف على قائله.
(١١) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٥٠ - ٨٥١.
(١٢) صفوة التفاسير: ٢٠٨.