قال سعيد بن جبير: " فخوف آكل الربا من المؤمنين بالنار التي أعدت للكافرين" (١).
عن معاوية بن قرة: "كان الناس يتأولون هذه الآية: ﴿واتقوا النار التي أعدت للكافرين﴾: اتقوا أن لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين" (٢).
قال الثعلبي: " ثم خوفهم فقال: ﴿واتقوا النار التي أعدت للكافرين﴾، وفيه دليل على أن النار مخلوقة ردا على الجهمية، لأن المعدوم لا يكون معدا" (٣).
قال الراغب: " إعداد الشيء تهيئته قبل الحاجة إليه، وإنما أراد تقديره وإيجاده، فلا حاجة به تعالى إلى الإعداد، وأصله من: العد، وقولك: أعددت كذا لكذا، أي اعتبرت قدره بقدره" (٤).
ويجدر القول بأن المعتزلة يرون: أنه "من أتى بالكبيرة ومات عليها فإنه يخلد في النار كالكافر، فإنه وعد لأكل الربا النار كما وعد الكفار. وقال أكثر أهل العلم والتفسير: هذا الوعيد لمن استحل الربا ومن استحل الربا فإنه يكفر ويصير إلى النار. ويقال: معناه اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبوا النار، لأن من الذنوب ما يستوجب به نزع الإيمان ويخاف عليه، فمن ذلك عقوق الوالدين" (٥).
وإن قيل: "ما وجه ذكر: ﴿اتقوا النار﴾، بعد قوله: ﴿اتقوا الله﴾؟
قيل: قد تقدم أن قوله: ﴿اتقوا الله﴾ يقال باعتبار ذاته، واتقوا النار باعتبار عقابه، فالأول للأولياء الأصفياء، ولذلك وصله بالفلاح الذي هو أعلى درجة الثواب، والثاني للمذنبين، فلذلك وصله بالرحمة، ولما كانت المنزلة الأولى لا تحصل إلا لمن حصلت له المنزلة الثانية، حث كافة الناس على الاستعانة بتقوى عقوبته، والطاعة له ولرسوله في ترك الربا وغيره من المعاصي؛ ليصلوا إلى الرحمة ذريعة إلى الفلاح" (٦).
وإن قيل: "الفلاح لا يخرج من أن يكون رحمة؟
قيل: صحيح، ولكن الرحمة أعم من الفلاح، فكل فلاح رحمة، وليس كل رحمة فلاحا، ومن قال في قوله: ﴿أعدت للكافرين﴾ دلالة أن لا فاسق فيها، فليس باستدلال يوجب الركون إليه، لأن ما يصح أن يشترك فيه أقوام إذا قيل: أعد لفلان. فليس فيه أنه لم يعد لغيره. ثم قد ثبت أن النار دركات، فأكثر ما في ذلك أن النار المعدة للكافر ليست للفاسق" (٧).
الفوائد:
١ - وجوب اتخاذ ما يقي من النار، لقوله: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ﴾، والأصل في الأمر الوجوب.
٢ - أن النار موجودة الآن، لقوله: ﴿الَّتِي أُعِدَّتْ﴾.
٣ - أن أهل النار هم الكافرون، لقوله: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾، وأما الفساق الذين يعذبون بالنار على قدر أعمالهم ثم يخرجون منها، فإن النار لم تعدّ لهم، فعذاب النار يخفف ويثقل بحسب عمل الإنسان.
القرآن
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢)﴾ [آل عمران: ١٣٢]
التفسير:
وأطيعوا الله -أيها المؤمنون- فيما أمركم به من الطاعات وفيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء، وأطيعوا الرسول; لترحموا، فلا تعذبوا.
قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [آل عمران: ١٣٢]، "أي اطيعوا الله ورسوله" (٨).
قال سعيد بن جبير: "يعني: في تحريم الربا" (٩).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٤٧): ص ٣/ ٧٦٠.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٨.
(٤) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٥٣.
(٥) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٤٦.
(٦) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٥٣ - ٨٥٤.
(٧) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٥٤.
(٨) صفوة التفاسير: ٢٠٨.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٥١): ص ٣/ ٧٦٠.