قوله تعالى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣]، " أي: وإِلى جنة واسعة عرضها السماء والأرض" (١).
قال سعيد بن جبير: " يعني عرض سبع سموات وسبع أرضين لو لصق بعضهن إلى بعض فالجنة في عرضهن" (٢).
قال ابن عباس: " تُقرن السموات السبع والأرضون السبع، كما تُقرن الثياب بعضها إلى بعض، فذاك عرض الجنة" (٣).
وفي رواية ابن أبي حاتم عن كريب قال: "أرسلني ابن عباس إلى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية جنة عرضها السماوات والأرض قال: فأخرج أسفار موسى فجعل ينظر قال: تلفق كما يلفق الثوب، وأما طولها فلا يقدر قدره إلا الله" (٤)، وروي عن يزيد بن أبي مالك نحو ذلك (٥).
والله تعالى وصف عرض الجنة بالسموات والأرضين، أي: عرضها بعرض السموات والأرض، تشبيها به في السعة والعظم، كما قيل: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [سورة لقمان: ٢٨]، يعني: إلا كبعث نفس واحدة، وكما قال شقيق بن جزء بن رياح الباهلي (٦):
كأَنَّ عَذِيرَهُمْ بِجَنُوب سِلَّى | نَعَامٌ قَاقَ فِي بَلَدٍ قِفَارِ |
حَسِبتَ بُغَامَ رَاحِلَتِي عَنَاقًا | وَمَا هي، وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاقِ |
عن يعلى بن مرة قال: لقيت التنوخيّ رسول هرقل إلى رسول الله ﷺ بحمص، شيخًا كبيرًا قد فُنِّد. قال: قدمت على رسول الله ﷺ بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلا عن يساره. قال قلت: من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية. فإذا كتاب صاحبي: " إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار؟ " (٩).
وعن طارق بن شهاب قال: "جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: تقولون: ﴿جنة عرضها السموات والأرض﴾، أين تكون النار؟ فقال له عمر: أرأيت النهار إذا جاء أين يكون الليل؟ أرأيت الليل إذا جاء، أين يكون النهار؟ فقال: إنه لمثلها في التوراة، فقال له صاحبه: لم أخبرته؟ فقال له صاحبه: دعه، إنه بكلٍّ موقنٌ" (١٠). وروي عن ابن عباس نحو ذلك (١١).
قال ابن عثيمين: "الآية لا تدل على أن الجنة ملأت السماوات والأرض وصارت في محلها، بل تدل على أن عرضها عرض السماوات والأرض وإن كانت هي فوقهم، ولذلك نقول أن الجنة فوق السماوات والأرض كلها، كما ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقها أو وفوقُها-روي بالوجهين- عرش الرحمن» (١٢)، وهذا يدل أن الجنة فوق السماوات، وأما النار فهي أسفل السافلين، وعلى هذا فلايكون في الآية إشكالا اطلاقا، ويحتمل أن تقول: إن هذا اليهودي أراد أن يلبس
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٥٨): ص ٣/ ٧٦٢.
(٣) أخرجه الطبري (٧٨٣٠): ص ٧/ ٢٠٧.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم (٤١٥٧): ص ٣/ ٧٦٢.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤١٥٧): ص ٣/ ٧٦٢.
(٦) انظر: الكامل ٢/ ١٩٦، معجم البلدان (سلى)، واللسان (فوق) (سلل). وينسب لأعشى باهلة، وللنابغة خطأ.
(٧) انظر: نوادر أبي زيد: ١١٦، ومعاني القرآن للفراء ١/ ٦١ - ٦٢، واللسان (ويب) (عنق) (عقا) (بغم) وغيرها.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ٢٠٨.
(٩) أخرجه الطبري (٧٨٣١): ص ٧/ ٢٠٩.
(١٠) أخرجه الطبري (٧٨٣٥): ص ٧/ ٢١٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٨٣٦): ص ٧/ ٢١٢.
(١٢) رواه البخاري (٢٧٩٠).