قال ابن كثير: " أي: في الشدة والرخاء، والمَنْشَط والمَكْرَه، والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾ [البقرة: ٢٧٤]، والمعنى: أنهم لا يشغلهم أمْر عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مَرَاضِيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر" (١).
قال الطبري: أي: " أعدت الجنة التي عرضها السموات والأرض للمتقين، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله، إما في صرفه على محتاج، وإما في تقوية مُضعِف على النهوض لجهاده في سبيل الله" (٢).
قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، أي: والذين "يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الانتقام" (٣).
قال مقاتل بن سليمان: " وهو الرجل يغضب في أمر فإذا فعله وقع في معصية، فيكظم الغيظ ويغفر" (٤).
قال ابن كثير: " أي: إذا ثار بهم الغيظ كظموه، بمعنى: كتموه فلم يعملوه" (٥).
قال الطبري: أي: " والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه يقال منه: كظم فلان غيظه، إذا تجرَّعه، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرةٌ على إمضائه، باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها، وأصل ذلك من: كظم القربة، يقال منه: كظمتُ القربة، إذا ملأتها ماء، وفلان كظيمٌ ومكظومٌ، إذا كان ممتلئًا غمٌّا وحزنًا. ومنه قول الله عز وجل، ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [سورة يوسف: ٨٤] يعني: ممتلئ من الحزن" (٦).
عن أبي هريرة في قوله: ﴿والكاظمين الغيظ﴾: أن النبي ﷺ قال: "من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه، ملأه الله أمنًا وإيمانًا" (٧).
قال ابن عباس: " فـ ﴿الكاظمين الغيظ﴾، كقوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [سورة الشورى: ٣٧]، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حرامًا، فيغفرون ويعفون، يلتمسون بذلك وجه الله" (٨).
قوله تعالى: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، أي: " والصافحين عن الناس عقوبَةَ ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون" (٩).
قال ابن كثير: أي: " وعَفَوْا مع ذلك عمن أساء إليهم... أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم مَوجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فهذا من مقامات الإحسان" (١٠).
قال ابن عباس: " و ﴿العافين عن الناس﴾، كقوله: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ إلى (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [سورة النور: ٢٢]، يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئًا واعفوا واصفحوا" (١١).
وروي عن الربيع بن أنس (١٢)، وأبي العالية (١٣)، ومكحول (١٤): ﴿والعافين عن الناس﴾، قال: "عن المملوكين".
وقال زيد بن أسلم (١٥)، ومقاتل: "عمن ظلمهم وأساء إليهم" (١٦).

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ١١٩.
(٢) تفسير الطبري: ٧/ ٢١٣.
(٣) صفوة التفاسير: ٢١٠.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٠١.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ١١٩.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ٢١٤.
(٧) أخرجه الطبري (٧٨٤٢): ص ٧/ ٢١٦.
(٨) أخرجه الطبري (٧٨٤٣): ص ٧/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٩) تفسير الطبري: ٧/ ٢١٥.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ١١٩ - ١٢١.
(١١) أخرجه الطبري (٧٨٤٣): ص ٧/ ٢١٧.
(١٢) أخرجه ابن المنذر (٩٢٨): ص ١/ ٢٨٤.
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٦٧): ص ٣/ ٧٦٣.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٦٧): ص ٣/ ٧٦٣.
(١٥) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٦٧.
(١٦) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٠١.


الصفحة التالية
Icon