ورد في بعض الآثار: "يقول الله تعالى: ابنَ آدَمَ، اذْكُرْنِي إذَا غَضِبْتَ، أَذْكُرُكَ إذَا غَضِبْتُ، فلا أمحقك فيمن أمحق" (١).
وفي الحديث: "ثلاث أُقْسِمُ عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عِزا، ومن تواضع لله رفعه الله " (٢).
وروى الحاكم في مستدركه من حديث موسى بن عُقبة، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة القُرشي، عن عُبَادة بن الصامت، عن أبي بن كعب؛ أن رسول الله ﷺ قال: "من سره أن يُشْرَف له البنيان، وترفع له الدرجات فَلْيَعْفُ عمن ظلمه، ويعط من حرمه، ويَصِلْ من قطعه" (٣).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، أي: والله" يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها" (٤).
قال ابن إسحاق: " أي: وذلك الإحسان، وأنا أحب من عمل به" (٥).
روي عن إسحاق، قال: "وحدثت عن ابن حيان، في قوله عز وجل: ﴿الذين ينفقون﴾ قرأ حتى ﴿والله يحب المحسنين﴾ قال: يغيظون في الأمر، فيغفرون، ويعفون عن الناس، ومن يفعل ذلك فهو محسن، ﴿والله يحب المحسنين﴾ " (٦).
قال الطبري: أي: " فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعدَّ للعاملين بها الجنة التي عرضُها السموات والأرض، والعاملون بها هم احسنون، وإحسانهم، هو عملهم بها" (٧).
عن أبي رجاء، عن الحسن قال: "يقال يوم القيامة: ليقم من كان له على الله أجر. فما يقوم إلا إنسان عفا، ثم قرأ هذه الآية: ﴿والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾ " (٨).
نقل الثعلبي عن السقطي: "الإحسان أن يحسن وقت الإمكان، فليس في كل وقت يمكنك الإحسان" (٩).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده "عن مقاتل بن حيان: ﴿والعافين عن الناس﴾، ومن فعل ذلك وهو محسن ﴿والله يحب المحسنين﴾، بلغني أن النبي ﷺ قال عند ذلك: إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله، وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت" (١٠).
وقال مقاتل بن سليمان: " ومن يفعل هذا فقد أحسن فذلك قوله: ﴿والله يحب المحسنين﴾، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إني أرى هؤلاء في أمتي قليلا، وكانوا أكثر في الأمم الخالية" (١١).
الفوائد:
١ - فضيلة الإنفاق على كل حال.
٢ - الثناء على من انفق في السراء والضراء، وذلك لأن الإنفاق في السراء ليس بغريب، فكل انسان يهون عليه ان ينفق إذا كان في السراء، لكن الإنفاق في الضراء هو الذي يدل على كون الإنسان ينفق طلبا للأجر لا زهدا في المال.
٣ - أنه ينبغي للإنسان أن يكظم الغيظ، لأن ذلك من صفات أهل الجنة.
٤ - الحث على العفو عن الناس، لكنه مقيد بما إذا كان أصلح.
(٢) رواه الترمذي في السنن برقم (٢٣٢٥) من حديث أبي كبشة الأنماري.
(٣) المستدرك (٢/ ٢٩٥) وتعقبه الذهبي فقال: "فيه أبي أمية بن يعلى ضعفه الدارقطني وإسحاق بن يحيى بن طلحة عن عبادة عن أبي، وإسحاق لم يدرك عبادة". ورواه الطبراني في الكبير (١/ ١٦٧) من طريق أبي أمية بن يعلى عن موسى بن عقبة.
(٤) صفوة التفاسير: ٢١٠.
(٥) أخرجه الطبري (٧٨٣٩): ص ٧/ ٢١٥.
(٦) أخرجه ابن المنذر (٩٣٠): ص ١/ ٣٨٤.
(٧) تفسير الطبري: ٧/ ٢١٥.
(٨) أخرجه الطبري (٧٨٤١): ص ٧/ ٢١٥.
(٩) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٦٧.
(١٠) تفسير ابن أبي حاتم (٤١٦٨): ص ٣/ ٧٦٣.
(١١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٠١.