قال محمد بن إسحاق: " أي: قد مضت مني وقائع نقمة، في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي، في عاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين، فرأوا مثلات قد مضت مني فيهم، ولمن كان على مثل ما هم عليه، مثل ذلك مني، وإن أمليت لهم، أي: لا تظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي، للدولة التي أدلتهم بها عليكم، لأبتليكم بذلك، لأعلم ما عندكم" (١).
قال ابن كثير: " يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين الذين أُصِيبوا يومَ أُحُد، وقُتِل منهم سبعون: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ أي: قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين" (٢).
قال الطبري: أي: قد" مضت وسلفت منى فيمن كان قبلكم، يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط، وغيرهم من سُلاف الأمم قبلكم سنن، يعني: مثُلات سيرَ بها فيهم وفيمن كذَّبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم، بإمهالي أهلَ التكذيب بهم، واستدراجي إياهم، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجَّلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم، ثم أحللت بهم عقوبتي، وأنزلتُ بساحتهم نِقَمي، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرًا " (٣).
قال الزجاج: " معنى قد خلت قد مضت، ومعنى سنن أهل سنن أي أهل طرائق.
والسنة الطريقة، وقول الناس: فلان على السنة معناه على الطريقة، ولم يحتاجوا " أن يقولوا على السنة المستقيمة لأن في الكلام دليلا على ذلك، وهذا كقولنا " مؤمن " معناه مصدق وفي الكلام دليل على أنه مؤمن بأمور الله- عز وجل - التي أمر بالإيمان بها" (٤).
قوله تعالى: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧]، " أي: فسيروا في الأرض، فانظروا الحال التي قد انتهى بها الكاذبون " (٥).
قال قتادة: " يقول: " بما متعهم في الدنيا قليلا، ثم صيرهم إلى النار" (٦).
قال الحسن: " فينظروا كيف عذب الله قوم نوح، وقوم لوط، وقوم صالح، والأمم التي عذب الله" (٧).
قال الزجاج: " المعنى: إنكم إذا سرتم في أسفاركم عرفتم أخبار قوم اهلكوا بتكذيبهم" (٨).
قال ابن أبي زمنين: " أي: كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار؛ يحذرهم بذلك" (٩).
قال السمرقندي: " أي اقرءوا القرآن فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ لأن من لم يسافر فإنه لا يعرف ذلك، وأما من قرأ القرآن فإنه يعرف ذلك" (١٠).
قال الطبري: أي: " فسيروا - أيها الظانّون، أنّ إدالتي مَنْ أدلت من أهل الشرك يوم أحُد على محمد وأصحابه، لغير استدراج مني لمن أشرك بي، وكفرَ برسلي، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي، وما الذي آل إليه غِبُّ خلافهم أمري، وإنكارهم وحدانيتي، فتعلموا عند ذلك أنّ إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم، ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم: من تعجيل العقوبة عليهم، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي" (١١).

(١) أخرجه ابن المنذر (٩٤٩): ص ١/ ٣٩١.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢٦.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٢٢٨.
(٤) معاني القرآن: ١/ ٤٧٠.
(٥) زهرة التفاسير ٣/ ١٤١٩..
(٦) أخرجه ابن المنذر (٩٤٤): ص ١/ ٣٩٠.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٠٤): ص ٣/ ٧٦٩.
(٨) معاني القرآن: ١/ ٤٧٠.
(٩) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ٣٢٠.
(١٠) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٤٨.
(١١) تفسير الطبري: ٧/ ٢٢٨ - ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon