قال المراغي: " أي فسيروا فى الأرض وتأملوا فيما حل بالأمم قبلكم ليحصل لكم العلم الصحيح المبنى على المشاهدة والاختبار، وتسترشدوا بذلك إلى أن المصارعة قد وقعت بين الحق والباطل فى الأمم السالفة، وانتهى أمرها إلى غلبة أهل الحق لأهل الباطل، وانتصارهم عليهم ما تمسكوا بالصبر والتقوى، ويدخل فى ذلك اتباع ما أمر الله به من الاستعداد للحرب وإعداد العدة لقتال العدو كما أمر الله به فى قوله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، وجرى ذلك على سنن مستقيمة وأسباب مطردة لا تغيير فيها ولا تبديل.
والسير فى الأرض والبحث عن أحوال الماضين وتعرف ما حل بهم- نعم العون على معرفة تلك السنن والاعتبار بها، وقد نستفيد هذه الفائدة بالنظر فى كتب التاريخ التي دونها من ساروا فى الأرض، ورأوا آثار الذين خلوا، فتحصل لنا العظة والعبرة، ولكنها تكون دون اعتبار الذين يسيرون فى الأرض بأنفسهم، ويرون الآثار بأعينهم" (١).
قال ابن عثيمين: "والمراد بالسير هنا، سير القلوب وسير الأقدام، أما سير القلوب فهو بالتفكر في عاقبة الأمم السابقة زمنا ومكانا" (٢).
والأمر في قوله: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾، للإرشاد، للوقوف على ديار الهالكين الغابرين لتعتبروا (٣).
قال القاسمي: " والأمر بالسير والنظر. لما أن لمشاهدة آثار المتقدمين أثرا في الاعتبار والروعة، أقوى من أثر السماع" (٤).
عن عباد بن منصور قال: "سألت الحسن عن قوله: فسيروا في الأرض قال: ألم تسيروا في الأرض؟ " (٥).
الفوائد:
١ - أن الله تعالى قد أهلك أمما قبل الأمة، و ﴿سنن﴾ جمع كثرة لا جمع قلة.
٢ - تسلية هذه الأمة من وجه، وتحذيرها من وجه آخر.
٣ - إثبات القياس، لأن المقصود بقوله: ﴿فسيروا في الأرض﴾، النظر والاعتبار، وأن يقاس ما حضر على ما مضى وسلف.
٤ - أن عاقبة المكذبين بالله ورسله وخيمة.
القرآن
﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)﴾ [آل عمران: ١٣٨]
التفسير:
هذا القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق، وتذكير تخشع له قلوب المتقين، وهم الذين يخشون الله، وخُصُّوا بذلك; لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.
قوله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٨]، " أي هذا الذي تقدم بيان للناس كافة" (٦).
قال عامر الشعبي: " بيان من العمى" (٧).
قال محمد بن إسحاق: " هذا تفسير للناس إن قبلوه " (٨).
وقال قتادة: " وهو هذا القرآن، جعله الله بيانا للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خاصة" (٩).
قال الجزائري: " أي: ما ذكر في الآيات بيان للناس به يتبينون الهدى من الضلال وما لازمهما من الفلاح، والخسران" (١٠).

(١) تفسير المراغي: ٤/ ٧٧ - ٧٨.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ١٩٩.
(٣) انظر: أيسر التفاسير، للجزائري: ١/ ٣٨١.
(٤) محاسن التأويل: ٢/ ٤١٦.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٠٣): ص ٣/ ٧٦٨.
(٦) تفسير المراغي: ٤/ ٧٧.
(٧) أخرجه ابن المنذر (٩٤٥): ص ١/ ٣٩٠.
(٨) أخرجه ابن المنذر (٩٤٦): ص ١/ ٣٩٠.
(٩) أخرجه ابن المنذر (٩٤٧): ص ١/ ٣٩٠.
(١٠) أيسر التفاسير: ١/ ٣٨١.


الصفحة التالية
Icon