قال محمد بن إسحاق: " ولا تأسوا على ما أصابكم" (١).
قال قتادة: يعني [يعزّي] (٢) أصحاب محمد ﷺ كما تسمعون، ويحثهم على قتال عدوهم، وينهاهم عن العجز والوَهن في طلب عدوهم في سبيل الله" (٣).
قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]، أي: فإنكم أنتم " الظاهرُون عليهم، ولكم العُقبَى في الظفر والنُّصرة عليهم" (٤).
قال الضحاك: "وأنتم الظاهرون" (٥).
قال ابن كثير: " أي: العاقبة والنّصرة لكم أيها المؤمنون" (٦).
قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]، أي: " إن كنتم مصدِّقي نبيي محمد ﷺ فيما يَعدكم، وفيما ينبئكم من الخبر عما يؤول إليه أمركم وأمرهم" (٧).
قال محمد بن إسحاق: " أي: لكم تكون العاقبة والظهور، إن كنتم صدَّقتم نبيي بما جاءكم به عني" (٨).
الفوائد:
١ - ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن الوهن عن العمل في المستقبل، وعن الحزن ععلى ما مضى، لأن الحزن على ما فات لايرد الفائت.
٢ - ينبغي ان يكون الإنسان قوي العزيمة لايضعف ولايجبن، لكي لايفوته الخير الكثير، فالمستقبل لاتدري ما النتيجة فيه.
٣ - أن هذه الأمة هي العليا بشرط أن تؤمن.
٤ - التلميح بالتوبيخ إذا حصل الوهن والحزن، لاسيما إذا قلنا ان "الواو" حالية، يعني: كيف يليق بكم أن تهنوا وتحزنوا وأنتم الأعلون؟
٥ - أنه كلما ازداد إيمان الأمة ازدادت علوّا، لأنه رتّب العلوّ على الإيمان، والمرتب على شيء يزيد بزيادته وينقص بنقسه.
القرآن
﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)﴾ [آل عمران: ١٤٠]
التفسير:
إن أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة «أُحد» فحزنتم لذلك، فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة «بدر». وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس، نصر مرة وهزيمة أخرى، لما في ذلك من الحكمة، حتى يظهر ما علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره، ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم، وقعدوا عن القتال في سبيله.
في سبب نزول الآية وجوه:
أحدها: أخرج الطبري عن عكرمة عن ابن عباس قال: "لما كان قتال أحد وأصاب المسلمين ما أصابَ، صعد النبي ﷺ الجبل، فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد! يا محمد! ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحربُ سجال: يوم لنا ويوم لكم. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: أجيبوه، فقالوا: لا سواء، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! فقال أبو سفيان: لنا عُزَّى ولا عُزَّى لكم! فقال رَسول الله صلى الله
(٢) بدلا من"يعني". في رواية الطبري.
(٣) أخرجه الطبري (٧٨٨٤): ص ٧/ ٢٣٤، وابن أبي حاتم (٤٢٢٠): ص ٣/ ٧٧١.
(٤) تفسير الطبري: ٧/ ٢٣٣.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٢١): ص ٣/ ٧٧١.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢٧.
(٧) تفسير الطبري: ٧/ ٢٣٣.
(٨) أخرجه الطبري (٧٨٩٢): ص ٧/ ٢٣٦.