عليه وسلم: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان: اعْلُ هُبَل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله أعلى وأجل! فقال أبو سفيان: موعدكم وموعدنا بدرٌ الصغرى قال عكرمة: وفيهم أنزلت ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾ " (١). وأخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة (٢).
والثاني: نقل الثعلبي عن " راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله ﷺ كئيبا حزينا جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها وأبيها مقتولين وهي تلدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهكذا يفعل برسولك؟ » «٥» [١٥٤] فأنزل الله تعالى: ﴿إن يمسسكم قرح﴾ " (٣).
والثالث: أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقتولان على دابة، أو على بعير، فقالت امرأة من الأنصار: من هذان؟ قالوا: فلان وفلان أخوها وزوجها، أو زوجها وابنها. فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حي. قالت: فلا أبالي، يتخذ الله من عباده الشهداء، ونزل القرآن على ما قالت: ﴿ويتخذ منكم شهداء﴾ " (٤).
قوله تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، " أي: إن كنتم قد أصابتكم جراحٌ وقُتل منكم طائفةٌ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح" (٥).
قال الزمخشري: "المعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر، ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال، فأنتم أولى أن لا تضعفوا. ونحوه: ﴿فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ [النساء: ١٠٤].
وقيل: كان ذلك يوم أحد، فقد نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: كيف قيل ﴿قرح مثله﴾ وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟
قلت: بلى كان مثله، ولقد قتل يومئذ خلق من الكفار. ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] " (٦).
قال الراغب: " الفرق بين المس واللمس: أن اللمس أخص، فإنه بالحاسة، والمس به وبغيره، وهو ههنا عبارة عن الإصابة والقرح أعم من الجرح، فإن الجرح إصابة الجارحة في الأصل، والقرح يقال له ولما يحدث من ذاته، نحو: قرح البعير، إذا خرج به قرحة، وهي شبه جرب" (٧).
وقرئ: " ﴿قرح﴾، بفتح القاف وضمها، وهما لغتان كالضعف والضعف. وقيل: هو بالفتح الجراح، وبالضم ألمها. وقرأ أبو السمال ﴿قرح﴾، بفتحتين. وقيل القرح والقرح كالطرد والطرد" (٨).
قال الفراء: " وقد قرأ أصحابُ عبد الله: ﴿قُرْح﴾، وكأن القُرْح: ألم الجراحات، وكأن القَرْحَ الجراحاتُ بأعيانها " (٩).
قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، أي: " وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس" (١٠).
قال محمد بن إسحاق: " أي نصرِّفها للناس، للبلاء والتمحيص" (١١).
قال مقاتل: " يوم لكم ببدر ويوم عليكم بأحد مرة للمؤمنين ومرة للكافرين" (١٢).
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٢٢٥٣): ص ٣/ ٧٧١ - ٧٧٢.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٧٢.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم (٤٢٣٩): ص ٣/ ٧٧٤.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢٧.
(٦) الكشاف: ١/ ٤١٨.
(٧) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٧٦ - ٨٧٧.
(٨) الكشاف: ١/ ٤١٨.
(٩) معاني القرآن: ١/ ٢٣٤.
(١٠) التفسير الميسر: ٦٧.
(١١) أخرجه الطبري (٧٩١٠): ص ٧/ ٢٤١.
(١٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٠٤.