ويحتمل المداولة -أيضا وجها آخر: وهو أن الظفر والنصر لو كان أبدا للمؤمنين- لكان الكفار إذا أسلموا لم يسلموا إسلام اختيار؛ ولكن إنما آمنوا إيمان قهر وكره وجبر؛ لما يخافون على أنفسهم من الهلاك إذا رأوا الدولة والظفر للمؤمنين، وإن كان الظفر والنصر أبدا للكفار؛ فلعلهم يظنون أنهم المحقون فيمنعهم ذلك عن الإسلام.
ويحتمل أن ما يصيب بمعصية المؤمنين إنما يصيب بمعصية سبقت منهم، أو خلاف كان منهم؛ من ترك أمر أو ارتكاب نهي" (١).
قال الراغب: " والدول والدور يتقاربان، لكن الدور أعم، فإن الدولة لا تقال إلا في الحظ الدنيوي، وكذلك الجد، ولهذا قيل: "لا ينفع ذا الجد منك الجد"، أي: الحظوظ الدنيوية غير نافعة في القيامة، ، نحو: (يوم لا ينفع مال ولا بنون} " (٢).
قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٠]، " أي: فعل ذلك ليمتحنكم فيرى من يصبر عند الشدائد ويميز بين المؤمنين والمنافقين" (٣).
قال قتادة والربيع: " ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب" (٤).
قال محمد بن إسحاق: " أي: ليميِّز بين المؤمنين والمنافقين" (٥).
قال مقاتل: " يعني: وليرى إيمان الذين آمنوا منكم عند البلاء فيتبين إيمانهم أيشكوا في دينهم أم لا" (٦).
قال الطبري: أي: " وليعلم الله الذين آمنوا منكم، أيها القوم، من الذين نافقوا منكم" (٧).
قال الماتريدي: " ي: ليعلم ما قد علم بالغيب أنه يؤمن بالامتحان مؤمنا شاهدا، وليعلم ما قد علم أنه يكون كائنا، وجائز أن يراد بالعلم: المعلوم؛ كقوله: الصلاة أمر الله، أي: بأمر الله" (٨).
قوله تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، " أي: وليكرم منكم بالشهادة من أراد أن يكرمه بها" (٩).
قال محمد بن إسحاق: " وليكرم من أكرَم من أهل الإيمان بالشهادة" (١٠).
قال ابن كثير: " يعني: يُقْتَلُون في سبيله، ويَبْذُلون مُهَجهم في مرضاته" (١١).
قال ابن عباس: " كانوا يسألون الشهادة، فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ منهم شهداء" (١٢).
قال ابن جريج: " فإن المسلمين كانوا يسألون ربهم: ربنا أرنا يومًا كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، ونُبليك فيه خيرًا، ونلتمس فيه الشهادة! فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ منهم شهداء" (١٣).
قال الضحاك: " كان المسلمون يسألون ربهم أن يُريهم يومًا كيوم بدر، يبلون فيه خيرًا، ويرزقون فيه الشهادة، ويرزقون الجنة والحياة والرزق، فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ الله منهم شهداء، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ﴾ الآية، [سورة البقرة: ١٥٤] " (١٤).
قال قتادة: "، فكرَّم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوِّهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله" (١٥).
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٧٧ - ٨٧٨.
(٣) صفوة التفاسير: ٢١١.
(٤) أخرجه الطبري (٧٩٠٣)، و (٧٩٠٤): ص ٧/ ٢٣٩ - ٢٤٠.
(٥) أخرجه الطبري (٧٩١٢): ص ٧/ ٢٤٣.
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٠٤.
(٧) تفسير الطبري: ٧/ ٢٤٢.
(٨) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٩٣.
(٩) تفسير الطبري: ٧/ ٢٤٣.
(١٠) أخرجه الطبري (٧٩١٢): ص ٧/ ٢٤٣.
(١١) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢٧.
(١٢) أخرجه الطبري (٧٩١٥): ص ٧/ ٢٤٣.
(١٣) أخرجه الطبري (٧٩١٣): ص ٧/ ٢٤٣.
(١٤) أخرجه الطبري (٧٩١٦): ص ٧/ ٢٤٣ - ٢٤٤.
(١٥) أخرجه الطبري (٧٩١٤): ص ٧/ ٢٤٣.