قوله تعالى: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣]، أي: "فقد رأيتموه بأعينكم" (١).
قال محمد بن إسحاق: " أي: الموتَ بالسيوف في أيدي الرجال، قد خلَّى بينكم وبينهم، وأنتم تنظرون إليهم، فصددتُم عنهم" (٢).
قال الطبري: " يعني: قد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر، أي بقرب منكم" (٣).
قال الواحدي: " أي: رأيتم أسباب الموت وما يتولد منه الموت كالسيف والأسنة وأنتم بصراء تتأملون الحال في ذلك كيف هي، فلم انهزمتم؟ ! وهذا محذوف، وهو مراد، لأنه موضع العتاب" (٤).
قال الراغب: " أراد أنكم تمنيتم الحرب فلم تحيرتم؟ " (٥).
قال البيضاوي: " أي فقد رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم، وهو توبيخ لهم على أنهم تمنوا الحرب وتسببوا لها ثم جبنوا وانهزموا عنها، أو على تمني الشهادة فإن في تمنيها تمني غلبة الكفار" (٦).
وفي قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٣]، وجوه:
أحدها: ان معناه التوكيد. قاله الأخفش (٧).
والثاني: أن المعنى: وأنتم تنظرون إلى محمد - ﷺ -.
والثالث: معناه: وأنتم تنظرون إلى السيوف. قاله ابن عباس (٨).
والرابع: أن المعنى: وأنتم بصراء كما تقول: قد رأيت كذا وكذا، وليس في عينيك عمة، أي قد رأيته رؤية حقيقية، وهو راجع إلى معنى التوكيد. أفاده الزجاج (٩).
الفوائد:
١ - إقامة الحجة على من كانوا يتمنون الموت وقد رأوه، ومع ذلك حصل منهم تخاذل.
٢ - لاينبغي للإنسان أن يتمنى المكروه، لأنه ربما ينكص ولايصبر.
القرآن
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)﴾ [آل عمران: ١٤٤]
التفسير:
وما محمد - ﷺ - إلا رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه. أفإن مات بانقضاء أجله أو قُتِل كما أشاعه الأعداء رجعتم عن دينكم، ، تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن يرجِعُ منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا، إنما يضر نفسه ضررًا عظيمًا. أما مَن ثبت على الإيمان وشكر ربه على نعمة الإسلام، فإن الله يجزيه أحسن الجزاء.
في سبب نزول الآية وجوه:
أحدها: أخرج الطبري عن قتادة: :" ذاكم يوم أحُد، حين أصابهم القَرْح والقتل، ثم تناعوا نبي الله ﷺ تَفِئة ذلك، فقال أناسٌ: لو كان نبيًّا ما قتل! وقال أناس من عِليْة أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: قاتلوا على ما قاتل عليه محمدٌ نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به! فقال الله عز وجل: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾ " (١٠).
(٢) أخرجه الطبري (٧٩٣٧): ص ٧/ ٢٥٠.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٢٤٨
(٤) الوجيز: ١/ ٤٩٨ - ٤٩٩.
(٥) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٨٩.
(٦) تفسير البيضاوي: ٢/ ٤٠.
(٧) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٧٣.
(٨) انظر: زاد المسير: ١/ ٣٣٠.
(٩) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٧٣.
(١٠) تفسير الطبري (٧٩٤١): ص ٧/ ٢٥٣.