والثاني: قال الربيع: " وذكر لنا والله أعلم، أنّ رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحَّط في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أنّ محمدًا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلَّغ، فقاتلوا عن دينكم. فأنزل الله عز وجل: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾ " (١).
والثالث: وقال الضحاك: " نادى منادٍ يوم أحد حين هزم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ألا إنّ محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى دينكم الأول! فأنزل الله عز وجل: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل﴾، الآية " (٢).
والرابع: وقال مجاهد: " القى في أفواه المسلمين يومَ أحد أن النبي ﷺ قد قتل، فنزلت هذه الآية: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل﴾ الآية" (٣).
والخامس: قال ابن عباس: " أنّ رسول الله ﷺ اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة، والناس يفرُّون، ورجل قائم على الطريق يسألهم: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم، فيقولون: والله ما ندري ما فعل! فقال: والذي نفسي بيده، لئن كان النبي ﷺ قُتل، لنعطينَّهم بأيدينا، إنهم لعشائرنا وإخواننا! وقالوا: إن محمدًا إن كان حيًّا لم يهزم، ولكنه قُتل! فترخَّصوا في الفرار حينئذ. فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل﴾، الآية كلها" (٤).
والسادس: قال ابن جريج: " قال: أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فرّ الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم: قد قتل محمد، فألحقوا بدينكم الأول! فنزلت هذه الآية" (٥)
قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، "أي: ليس محمد إِلا رسول الله مضت قبله رسل" (٦).
قال الزجاج: " المعنى: إنه يموت كما ماتت الرسل قبله" (٧).
قوله تعالى: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، أي: " أفإِن أماته الله أو قتله الكفار ارتددتم كفاراً بعد إِيمانكم؟ " (٨).
قال قتادة: " يقول: " إن مات نبيكم أو قتل، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم " (٩).
قال الزجاج: " أي: ارتددتم عن دينكم - وروي أن بعض من كان في يوم أحد ارتد، وبعضهم مضى مسافة ثلاثة أيام، فأعلم الله جل وعز أن الرسل ليست باقية في أممها أبدا وأنه يجب التمسك بما أتت به، وإن فقد الرسول بموت أو قتل" (١٠).
قال سعيد بن جبير: " ما سمعنا أن نبيا قط قتل في القتال" (١١).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٤٤]، " أي: ومن يرتد عن دينه فلا يضر الله شيئا" (١٢).

(١) أخرجه الطبري (٧٩٤٢): ص ٧/ ٢٥٣.
(٢) أخرجه الطبري (٧٩٤٧): ص ٧/ ٢٥٧.
(٣) أخرجه الطبري (٧٩٤٨): ص ٧/ ٢٥٧.
(٤) أخرجه الطبري (٧٩٤٩): ص ٧/ ٢٥٧.
(٥) أخرجه الطبري (٧٩٥٣): ص ٧/ ٢٥٨.
(٦) صفوة التفاسير: ٢١٢.
(٧) معاني القرآن: ١/ ٤٧٣.
(٨) صفوة التفاسير: ٢١٢.
(٩) أخرجه ابن المنذر (١٠٠٢): ص ١/ ٤١٧.
(١٠) معاني القرآن: ١/ ٤٧٣ - ٤٧٤.
(١١) أخرجه ابن المنذر (١٠٠١): ص ١/ ٤١٧.
(١٢) صفوة التفاسير: ٢١٢.


الصفحة التالية
Icon