القرب عند الله بمنزلة واحدة، أو يفضل أحدهما الآخر بحسن القصد والإرادة والميل إلى الخير وحب المصلحة العامة.
وقصارى القول- إن أقدار الرجال تتفاوت وتختلف باختلاف إرادتهم، فبينما تتسع دائرة وجود الشخص بحسب كبر إرادته وسعة مقصده، فتحيط بالكرة الأرضية، بل فوق ذلك بما يكون له من الكرامة فى العالم العلوي- إذا بآخر تضيق دائرة وجوده إذا هو أخلد إلى الشهوات، وركن إلى اللذات، فيكون حظه من عمله كحظ الحشرات، يأكل ويشرب ويبغى على الضعيف ويخاف من القوى.
والله قد جعل عطاءه للناس معلقا على إرادتهم، ولا يقدر مثل هذا إلا القليل منهم" (١).
قوله تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥]، أي: وسيثيب الله "الموحدين في الآخرة" (٢).
قال الثعلبي: " أي الموحدين المطيعين" (٣).
قال السمعاني: " يعني: المؤمنين" (٤).
قال ابن كثير: " أي: سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شُكْرهم وعملهم" (٥).
قال أبو السعودي: أي ﴿الشاكرين﴾ نعمة الإسلام الثابتين عليه الصارفين لما آتاهم الله تعالى من القوى والقدر إلى ما خلقت هي لأجله من طاعة الله تعالى لا يلويهم" (٦).
قال البيضاوي: أي: " وسنجزي الشاكرين الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد" (٧).
قال النسفي: أي: " وسنجزي الجزاء المبهم الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد" (٨).
قال محمد بن إسحاق: " أي: ذلك جزاء الشاكرين، يعني بذلك، إعطاء الله إياه ما وعده في الآخرة، مع ما يجري عليه من الرزق في الدنيا" (٩).
قال عباد بن منصور: " سألت الحسن عن قوله: ﴿وسنجزي الشاكرين﴾، قال: يعطي الله العبد بنيته الدنيا والآخرة" (١٠).
وقرأ الأعمش: " ﴿وسيجزي﴾، بالياء، يعني الله سبحانه" (١١).
قال ابن الجوزي: " قوله تعالى: ﴿ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها﴾، جمهور العلماء على أن هذا الكلام محكم واستدلوا عليه بشيئين:
أحدهما: أنه خبر والخبر لا يدخله النسخ.
والثاني: أنهم قالوا: ما أحد إلا وله من الدنيا نصيب مقدر، ولا يفوته ما قسم له. فمن كانت همته ثواب الدنيا أعطاه الله منها ما قدر له وذلك هو الذي يشاؤه الله، وهو المراد بقوله: ﴿عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد﴾ (١٢)، ولم يقل يؤته منها ما يشاء هو، ويمكن أن يكون المعنى: لمن يريد أن يفتنه أو يعاقبه.
وذهب السدي إلى أنه منسوخ (١٣) بقوله: ﴿من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد﴾ وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ، فلا يعول عليه" (١٤).

(١) تفسير المراغي: ٤/ ٩٠.
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٠٥.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٧٩.
(٤) تفسير السمعاني: ١/ ٣٦٣.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٣٠.
(٦) تفسير أبي السعود: ٢/ ٩٤.
(٧) تفسير البيضاوي: ٢/ ٤١.
(٨) تفسير النسفي: ١/ ٢٩٨.
(٩) أخرجه الطبري (٧٩٥٦): ص ٧/ ٢٦٣.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٧٤): ص ٣/ ٧٨٠.
(١١) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٧٩.
(١٢) الآية (١٨) من سورة الإسراء.
(١٣) ورد هبة الله في ناسخه (٣٠) هذه الآية مع الآيات المنسوخة، وأعرض غيره من علماء النسخ والتفسير عن إدخالها ضمن الآيات المنسوخة. وأما ابن الجوزي- رحمه الله- فقد أورد في تفسيره شبيها لما ذكر هنا مناقشة وردا. انظر: زاد المسير ١/ ٤٧٠.
(١٤) نواسخ القرآن: ٣٣٣ - ٣٣٤.


الصفحة التالية
Icon