قال الماوردي: " الاستكانة: الخضوع، والمعنى: ولا استكانوا بالخضوع" (١).
قال الراغب: "الاستكانة: الخشوع والتضرع للمخافة" (٢).
قال الماتريدي: " قيل: لم يذلوا في عدو لهم، ولم يخضعوا لقتل نبيهم؛ بل قاتلوا بعده على ما قاتلوا معه؛ فهلا قاتلتم أنتم على ما قاتل عليه نبيكم؛ كما قاتلت القرون من قبلكم إذا أصيب أنبياؤهم" (٣).
قال زيد بن أسلم: " وما استكانوا لعدوهم" (٤).
عن ابن جريح قال: "بلغني عن ابن عباس أنه قال في قوله: ﴿وما استكانوا﴾، قال:
تخشعوا" (٥).
قال قتادة: " يقول: " ما ارتدوا عن بصيرتهم، ولا عن دينهم، أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله، حتى لحقوا بالله" (٦).
قال محمد بن إسحاق: " ﴿وما استكانوا﴾ لما أصابهم في الجهاد، عن الله وعن دينهم، وذلك الصبر " (٧).
قال السدي: " يقول: ما ذلوا حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لهم أن يعلونا لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون" (٨).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦]، "أي: والله يحب الصابرين على مقاساة الشدائد والأهوال في سبيل الله" (٩).
قال الماتريدي: يعني: " على قتال عدوهم، وعلى كل مصيبة تصيبهم" (١٠).
قال محمد ابن إسحاق: " ﴿والله يحب الصابرين﴾ لما أصابهم في الجهاد عن الله، وعن دينهم وذلك الصبر" (١١).
الفوائد:
١ - العناية الربانية الخاصة لهذه الأمة، إذ يسليهم بما حصل للأمم السابقة.
٢ - أن الجهاد مشروع في غير هذه الأمة، لأن القتال من الأنبياء وأتباعهم لا يكون إلا عن جهاد، وهو كذلك.
٣ - الثناء على من سبق ممن يستحق الثناء.
٤ - الإشارة إلى انحطاط مرتبة الذين يذلون لأعداء الله.
٥ - إثبات المحبة لله تعالى.
٦ - الحث على الصبر، لقوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.
القرآن
﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (١٤٧)﴾ [آل عمران: ١٤٧]
التفسير:
وما كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وما وقع منا مِن تجاوزٍ في أمر ديننا، وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا، وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك.

(١) النكت والعيون: ١/ ٤٢٨.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٨٩٨.
(٣) تفسير الماتريدي: ٢/ ٥٠٢.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٩٣): ص ٣/ ٧٨٢.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٩٥): ص ٣/ ٧٨٢.
(٦) أخرجه ابن المنذر (٢١١٩): ص ١/ ٤٢٢.
(٧) أخرجه ابن المنذر (١٠١٨): ص ١/ ٤٢١.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٩١): ص ٣/ ٧٨٢.
(٩) صفوة التفاسير: ٢١٢.
(١٠) تفسير الماتريدي: ٢/ ٥٠٢.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٩٦): ص ٣/ ٧٨٢.


الصفحة التالية
Icon