قال قتادة: " حسن الثواب في الآخرة هي الجنة" (١).
قال ابن جريج: " رضوانَ الله ورحمته" (٢).
قال الماتريدي: " وذكر في ثواب الآخرة " الحسن "، ولم يذكر في ثواب الدنيا الحسن؛ لأن ثواب الآخرة دائم لا يزول أبدا، وثواب الدنيا قد يزول، أو أن يشوب في ثواب الدنيا آفات وأحزان؛ فينقص ذلك، وليس ثواب الآخرة كذلك" (٣).
قال الزمخشري: " وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدمه، وأنه هو المعتد به عنده ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [الأنفال: ٦٧] " (٤).
قال الراغب: " ذكر في ثواب الآخرة الحسن تنبيها أن ثواب الدنيا بالإضافة إليها غير
مستحسن لانقطاعه، ونبه بالآية أن من أراد ثواب الدنيا لم يحصل له ثواب الآخرة، وأن من أراد الآخرة حصلت له الدنيا والآخرة معا" (٥).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٨]، أي: " والله يحب كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه" (٦).
قال السمرقندي: أي: " المؤمنين المجاهدين" (٧).
قال ابن إسحاق: "يقول تعالى ذكره: فعل الله ذلك بهم بإحسانهم، فإنه يحب المحسنين، وهم الذين يفعلون مثل الذي وصف عنهم تعالى ذكره أنهم فعلوه حين قتل نبيُّهم" (٨).
قال مكي بن أبي طالب: " أثنى عليهم أنهم محسنون وأن الله يحبهم" (٩).
والإحسان يحتمل وجوها ثلاثة (١٠):
أحدها: أن المحسن: العارف، كما يقال: فلان يحسن ولا يحسن.
والثاني: أنه المعروف من الفعل -مما ليس عليه- يصنع إلى آخر؛ تفضلا منه وإحسانا.
والثالث: اختيار الحسن من الفعل على القبيح من الفعل والسوء؛ وكان كقوله: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٦]: هذا يختار المحاسن من الأفعال على المساوئ.
الفوائد:
١ - أن الله اثاب هؤلاء الربيّون الذين احسنوا في مقالهم وفعالهم بثواب الدنيا وثواب الآخرة.
٢ - أن رحمة الله سبقت غضبه، فهو يثيب الطائع بثوابين: ثواب في الدنيا وثواب في الآخرة، بخلاف العقوبة: فإن الله تعالى لايجمع بين عقوبتين، فإذا شرع عقوبة في الدنيا على ذنب فإنه لايعاقب به في الآخرة، كما قال-صلى الله عليه وسلم-: "أن الحدود كفارة" (١١).
٣ - الإشارة إلى خفة شأن الدنيا بالنسبة للآخرة، تؤخذ من قوله: ﴿ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة﴾، كأن الدنيا ليست بشيء حتى يكون فيها حسن.
٤ - إثبات البعث والجزاء.
٥ - إثبات المحبة لله.

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٣٠٧): ص ٣/ ٧٨٤.
(٢) أخرجه الطبري (٧٩٩٦): ص ٧/ ٢٧٥.
(٣) تفسير الماتريدي: ٢/ ٥٠٣ - ٥٠٤.
(٤) الكشاف: ١/ ٤٢٥.
(٥) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٩٠٣.
(٦) التفسير الميسر: ٦٨.
(٧) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٥٥.
(٨) أخرجه الطبري (٧٩٩٧): ص ٧/ ٢٧٦.
(٩) الهداية إلى بلوغ النهاية: ٢/ ١١٥٠.
(١٠) انظر: تفسير الماتريدي: ٢/ ٥٠٤.
(١١) رواه البخاري (٤٨٩٤).


الصفحة التالية
Icon