والخامس: نقل الواحدي عن محمد بن كعب القرظي: "لما رجع رسول الله - ﷺ - إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ الآية إلى قوله: ﴿منكم من يريد الدنيا﴾ يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد" (١).
والخامس: أخرج الطبري عن الحسن: " في قوله: ثم صرفكم عنهم، قال: صرف القوم عنهم، فقتل من المسلمين بعدَّة من أسروا يوم بدر، وقُتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وشُجّ في وجهه، وكان يمسح الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيِّهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فنزلت: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [سورة آل عمران: ١٢٨]، الآية. فقالوا: أليس كان رسول الله ﷺ وعدنا النصر؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ إلى قوله: ﴿ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم﴾ " (٢).
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [آل عمران: ١٥٢]، أي: " ولقد حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر" (٣).
قال ابن إسحاق: " أي: لقد وفَيتُ لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم" (٤).
قال الربيع: " وذلك يوم أحد، قال لهم: إنكم ستظهرون، فلا أعرِفنَّ ما أصبتم من غنائمهم شيئًا، حتى تفرُغوا! فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وعصوا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عَهْده الذي عَهِده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به" (٥).
قال الطبري: " والوعد الذي كان وعدَهم على لسانه بأحد، قوله للرماة: اثبتوا مكانكم ولا تبرحوا، وإن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم. وكان وعدهم رسول الله ﷺ النصر يومئذ إن انتهوا إلى أمره" (٦).
قال ابن كثير: إن"ذلك كان يوم أحد لأن عدوهم كان ثلاثة آلاف مقاتل، فلما واجهوهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام، فلما حصل ما حصل من عصيان الرُّماة وفشل بعض المقاتلة، تأخر الوعد الذي كان مشروطا بالثبات والطاعة، ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾، أي: أول النهار" (٧).
وقال القاسمي: " ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ في قوله: ﴿وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم﴾ " (٨).
أخرج الطبري عن السدي قال: "لما برز رسول الله ﷺ إلى المشركين بأحد، أمر الرماة، فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال: لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوّات بن جبير. ثم إنّ طلحة بن عثمان، صاحب لواء المشركين، قام فقال: يا معشر أصحاب محمد، إنكم تزعمون أن الله يعجِّلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجِّلكم بسيوفنا إلى الجنة! فهل منكم أحد يعجِّله الله بسيفي إلى الجنة! أو يعجِّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه علي بن أبي طالب فقال: والذي نفسي بيده، لا أفارقك حتى يعجِّلك الله بسيفي إلى النار، أو يعجِّلني بسيفك إلى الجنة! فضربه علي فقطع رجلَه، فسقط، فانكشفت عورته، فقال: أنشدك الله والرحم، ابنَ عم! فتركه، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لعليّ أصحابه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إنّ ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه، ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبي ﷺ وأصحابه فهزموا أبا سفيان. فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل، فرمته الرماة، فانقمع. فلما نظر الرماة إلى رسول الله ﷺ وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادروا الغنيمة، فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم!. فانطلق عامتهم فلحقوا
(٢) أخرجه الطبري (٨٠٤١): ص ٧/ ٢٩٧.
(٣) التفسير الميسر: ٦٩.
(٤) أخرجه الطبري (٨٠١٠): ص ٧/ ٢٨٥.
(٥) أخرجه الطبري (٨٠١١): ص ٧/ ٢٨٥.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ٢٨١.
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٣٣.
(٨) تفسير القاسمي: ٢/ ٤٢٨.