قال الراغب: " وذلك مستقبح في العربية، فإنه لا يفصل بين بعض الجملة التي دخل في إثباتها، وتقديره: يقول: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما كأن لم تكن، أي: قولهم ذلك قول من ليس بينكم وبينهم مواصلة دينية، وذلك تنبيه على ضعف عقيدتهم، وسوء نيتهم" (١).
قال الزجاج: "ومعنى «المودة» ههنا، أي: كأنه لم يعاقدكم على الإيمان أي كأنه لم يظهر لكم المودة" (٢).
والثاني: أن يكون حكاية عنهم، أي ليقولن لمن يثبطكم: «كأن لم تكن بينكم وبين محمد مودة، حيث لم يستعينوا بكم»، ثم يقولون: «﴿يا ليتني كنت معهم﴾»، فيكون القول الأول منهم إثارة للشر. والقول الثاني منهم إظهارا للحسد.
قال الواحدي: " قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ متصلٌ في المعنى بقوله: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ﴾ ﴿كأن لم تكن بينكم وبينه مودَّة﴾ أَيْ: كأنْ لم يعاقدكم على الإِسلام ويعاضدكم على قتال عدوٍّكم ولم يكن بينكم وبينه مودة في الظَّاهر" (٣).
ويقرأ في الشواذ: ﴿ليقولن﴾، برفع اللام، والمعنى واحد (٤).
الفوائد:
١ - أن كل من كان بينه وبين آخر مودة إذا أصابته نكبة يحزن عليه ويتألم، فأخبر الله - عز وجل - أن هؤلاء المنافقين إذا أصابت المؤمنين نكبة يسرون بذلك ولا يحزنون، كأن لم يكن بينهم مودة ولا صحبة (٥).
٢ - في الآية تنبيه أن عامة الناس لا يعدون إلا أعراض الدنيا، فيفرحون بما ينالهم منها، ولا من المحن إلا مصائبها، فيتألمون بما يصيبهم منها، وذلك قوله: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ [الفجر: ١٥].
٢ - إن الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة. وأيضا فإن هذا هو الواقع، فإن المؤمنين على قسمين:
- صادقون في إيمانهم أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد.
- وضعفاء دخلوا في الإسلام فصار معهم إيمان ضعيف لا يقوى على الجهاد (٦).
القرآن
﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (٧٤)﴾ [النساء: ٧٤]
التفسير:
فليجاهد في سبيل نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، الذين يبيعون الحياة الدنيا بالدار الآخرة وثوابها. ومن يجاهد في سبيل الله مخلصًا، فيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ، فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا.
في سبب نزول الآية ثلاثة اقوال:
أحدها: أنها نزلت في المؤمنين المخلصين، ومعنى ﴿يشرون﴾، أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويختارون الآخرة (٧).
قال مقاتل: " لقولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم-: «إن نقاتل فنقتل ولا نقتل؟ »، فنزلت هذه الآية، فأشركهم جميعا في الأجر" (٨).
قال ابن حجر: " قال بعضهم: معناه نزلت هذه الآية في المؤمنين المخلصين" (٩).
والثاني: وقيل انها "نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن أحد" (١٠).
(٢) معاني القرآن: ٢/ ٧٦.
(٣) الوجيز: ٢٧٤.
(٤) انظر: تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٧.
(٥) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥٢.
(٦) انظر: تفسير السعدي: ١٨٦.
(٧) انظر: تفسير البغوي: ١/ ٦٦٢.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٩.
(٩) العجاب: ٢/ ٩١٦.
(١٠) البحر الميط: ٣/ ٧١٠، وانظر: تفسير البغوي: ١/ ٦٦٢.