قال البغوي: " قيل: نزلت في المنافقين، ومعنى ﴿يشرون﴾، أي: يشترون، يعني الذين يختارون الدنيا على الآخرة، ومعناه: آمنوا ثم قاتلوا" (١).
والثالث: وقيل: "نزلت في المؤمنين المتخلفين، و ﴿يشرون﴾، بمعنى يبيعون ويؤثرون الآجلة على العاجلة، ويستبدلونها بها أمر الله تعالى بالجهاد من تخلف من ضعفة المؤمنين" (٢).
قوله تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: ٧٤]، أي: " فليجاهد في سبيل نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، الذين يبيعون الحياة الدنيا بالدار الآخرة وثوابها" (٣).
قال الطبري: أي: فليجاهد "في دين الله والدعاء إليه، والدخول فيما أمر به أهل الكفر به، الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها. وبيعُهم إياها بها: إنفاقهم أموالهم في طلب رضى الله، لجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه، وبَذْلهم مُهَجهم له في ذلك" (٤).
عن السدي: " ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾، يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة" (٥).
قال ابن زيد: " ﴿يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾، فـ «يشري»: يبيع، و «يشري»: يأخذ وإن الحمقى باعوا الآخرة بالدنيا" (٦).
قال الماوردي: قوله: ﴿يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ " يعني: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة، فعبر عن البيع بالشراء" (٧).
قال الواحدي: " أَيْ: يختارون الجنَّة على البقاء في الدُّنيا" (٨).
قال الزجاج: ﴿يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ " أي: يبيعون، يقال شريت بمعنى بعت، وشريت بمعنى اشتريت، قال يزيد بن مفرغ (٩):

وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ
برد غلامه، وشريته بعته" (١٠).
قال الماتريدي: " كأنه - والله أعلم - نهى المنافقين بالخروج إلى الغزو كقوله - تعالى -: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا)، وأمر المؤمنين أن يخرجوا لذلك؛ لأنه قال الله - تعالى -: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: ٧٤]، والمؤمنون هم الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة" (١١).
قال النسفي: " والمراد المؤمنون الذين يستحبون الحياة الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها أي إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون أو يشترون والمراد المنافقون الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجاهدوا في سبيل الله حق جهاده" (١٢).
قرأ الجمهور: ﴿فليقاتل﴾، بسكون لام الأمر. وقرأت فرقة: بكسرها على الأصل (١٣)..
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٤]، " أي: من يقاتل في سبيل الله لإِعلاء كلمة الله" (١٤).
(١) تفسير البغوي: ١/ ٦٦٢.
(٢) البحر الميط: ٣/ ٧١٠.
(٣) التفسير الميسر: ٨٩.
(٤) تفسير الطبري: ٨/ ٥٤١.
(٥) أخرجه الطبري (٩٩٤٢): ص ٨/ ٥٤١.
(٦) أخرجه الطبري (٩٩٤٣): ص ٨/ ٥٤١.
(٧) النكت والعيون: ١/ ٥٠٦.
(٨) الوجيز: ٢٧٤.
(٩) طبقات فحول الشعراء: ٥٥٥ من قصيدة له، في هجاء عباد بن زياد، حين باع ما له في دين كان عليه، وقضى الغرماء، وكان فيما باع غلام لابن مفرغ، يقال له"برد"، وجارية يقال لها"أراكة". وقوله: "كنت هامة" أي هالكا. يقال: فلان هامة اليوم أو غد، أي قريب هلاكه، فإذا هو"هامة"، وذلك زعم أبطله الله بالإسلام كان في الجاهلية: أن عظم الميت أو روحه تصير هامة (وهو طير كالبومة) فتطير. ورواية غيره: "من بعد برد"..
(١٠).
(١١) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥٥.
(١٢) تفسير النسفي: ١/ ٣٧٣.
(١٣) انظر: البحر الميط: ٣/ ٧١٠.
(١٤) صفوة التفاسير: ٢٦٦.


الصفحة التالية
Icon