قال سعيد بن جبير: "يعني: ومن يقاتل المشركين" (١).
وفي قوله تعالى: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٤]، وجهان (٢):
أحدهما: في إظهار دين الله.
والثاني: في طاعة الله - تعالى - ونصر أوليائه.
قوله تعالى: ﴿فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ﴾ [النساء: ٧٤]، " أي: فيُستشهد أو يظفر على الأعداء" (٣).
قال سعيد بن جبير: " ﴿فيقتل﴾، يعني: يقتله العدو" (٤). " ﴿أو يغلب﴾، يعني: يغلب العدو من المشركين" (٥).
قال الواحدي: أي: " فيستشهد، ﴿أو يغلب﴾ فيظفر، فكلاهما سواءٌ" (٦).
قال السمعاني: " وهو معنى قوله في سورة التوبة: ﴿فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ (٧) " (٨).
قرأ الجمهور: ﴿فيقتل﴾، مبنيا للمفعول. وقرأ محارب بن دثار: ﴿فيقتل﴾، على بناء الفعل للفاعل، وأدغم باء ﴿يغلب﴾، في "الفاء" أبو عمرو والكسائي وهشام وخلاد بخلاف عنه، وأظهرها باقي السبعة (٩)..
قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٤]، " أي: فسوف نعطيه ثواباً جزيلاً" (١٠).
قال سعيد بن جبير: " ﴿أجرا عظيما﴾، يعني: جزاء وافرا في الجنة، فجعل القاتل والمقتول من المسلمين في جهاد المشركين شريكين في الأجر" (١١).
عن الأوزاعي عن يحيى، قال: " الأجر العظيم: الجنة " (١٢).
قال الواحدي: "أي: ثواباً لا صفة له" (١٣).
قال البغوي: أي: " في كلا الوجهين أجرا عظيما" (١٤).
قال النسفي: " وعد الله المقاتل في سبيل الله ظافراً أو مظفوراً به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين الله" (١٥).
قال ابن كثير: " أي: كل من قاتل في سبيل الله - سواء قتل أو غَلَب وسَلَب - فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل، كما ثبت في الصحيحين (١٦) وتكفل الله للمجاهد في سبيله، إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة" (١٧).
قال الطبري: " وهذا حضٌّ من الله المؤمنين على جهاد عدوه من أهل الكفر به على أحايينهم غالبين كانوا أو مغلوبين، والتهاونِ بأقوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين، وأن لهم في جهادهم إياهم - مغلوبين كانوا أو غالبين - منزلة من الله رفيعة" (١٨).
قال ابن عطية: " وعد من قاتل في سبيل الله بالأجر العظيم، سواء استشهد، أو غلب. واكتفى في الحالتين بالغاية، لأن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل أن يغلب ويغنم، فأشرف الحالتين ما بدء به من ذكر الاستشهاد في سبيل الله، ويليها أن يقتل أعداء الله، ودون ذلك الظفر بالغنيمة، ودون ذلك أن

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٠٣): ص ٣/ ١٠٠١.
(٢) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥٥.
(٣) صفوة التفاسير: ٢٦٦.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٠٤): ص ٣/ ١٠٠١.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٠٥): ص ٣/ ١٠٠١.
(٦) الوجيز: ٢٧٤.
(٧) [سورة التوبة: ١١١].
(٨) تفسير السمعاني: ١/ ٤٧٧.
(٩) انظر: البحر الميط: ٣/ ٧١٠.
(١٠) صفوة التفاسير: ٢٦٦.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٠٨): ص ٣/ ١٠٠١.
(١٢) أخرجه ابن المنذر (١٩٩٩): ص ٢/ ٧٩١، وابن ابي حاتم (٥٦٠٩): ص ٢/ ١٠٠٢.
(١٣) الوجيز: ٢٧٤.
(١٤) تفسير البغوي: ١/ ٦٦٢.
(١٥) تفسير النسفي: ١/ ٣٧٣.
(١٦) رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٤٦٣، ٧٤٥٧) ومسلم في صحيحه برقم (١٨٧٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٥٨.
(١٨) تفسير الطبري: ٨/ ٥٤١.


الصفحة التالية
Icon