يغزو فلا يصيب ولا يصاب، ولفظ الجهاد في سبيل الله يشمل هذه الأحوال، والأجر العظيم فسر بالجنة. والذي يظهر أنه مزيد ثواب من الله تعالى مثل كونهم أحياء عند ربهم يرزقون، لأن الجنة موعود دخولها بالإيمان. وكأن الذي فسره بالجنة ينظر إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١]، الآية" (١).
عن عون، قال: "قيل لعمر بن الخطاب: إن مدرك بن عوف نشر نفسه يوم نهاوند، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، ذاك خالي، وناس يزعمون أنه ألقى بيده إلى التهلكة، قال: فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا " (٢).
قرأ الجمهور: ﴿نؤتيه﴾، بالنون. وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف: ﴿يؤتيه﴾، بالياء (٣).
الفوائد:
١ - مدح المجاهدين في سبيل الله، والثناء عليهم.
٢ - أنه من لطف الله بعباده أن لا يقطع عنهم رحمته، ولا يغلق عنهم أبوابها. بل من حصل منه غير ما يليق أمره ودعاه إلى جبر نقصه وتكميل نفسه، [ص: ١٨٧] فلهذا أمر هؤلاء بالإخلاص والخروج في سبيله فقال: ﴿فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة﴾.
٣ - من أسماء يوم القيامة، اليوم الآخر، أو الآخرة، او الدار الآخرة، وسمى ذلك اليوم باليوم الآخر، لأنه اليوم الذي لا يوم بعده.
القرآن
﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (٧٥)﴾ [النساء: ٧٥]
التفسير:
وما الذي يمنعكم -أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله، ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم، ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم، يدعونه قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية -يعني «مكة» - التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى، واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا، ونصيرًا ينصرنا على الظالمين؟
في سبب نزول الآية:
أخرج عبد بن حميد من رواية سعيد عن قتادة: "كان بمكة رجال ونساء وولدان من المسلمين فأمر الله نبيه أن يقاتل حتى يستنقذهم" (٤).
وأخرج من رواية أبي يونس القوي (٥): " قلت لسعيد بن جبير في قوله: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾؟ قال: كان بمكة ناس مظلومون مقهورون" (٦).
وأخرج ابن المنذر (٧) وابن أبي حاتم (٨)، عن مجاهد: " أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة" (٩).
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٥]، أي: " وما الذي يمنعكم -أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله" (١٠).
قال الزجاج: " المعنى: أي شيء لكم تاركين القتال؟ " (١١).
قال الثعلبي: " أي: تجاهدون في طاعة الله" (١٢).

(١) البحر الميط: ٣/ ٧١٠.
(٢) أخرجه ابن المنذر (١٩٩٨): ص ٢/ ٧٩٠.
(٣) انظر: البحر الميط: ٣/ ٧١٠.
(٤) العجاب: ٢/ ٩١٦.
(٥) هو الحسن بن يزيد بن فروخ الصخري... القوي، بفتح القاف وتخفيف الواو، مكي سكن الكوفة، ثقة. انظر: التقريب: ١٦٤.
(٦) العجاب: ٢/ ٩١٦.
(٧) انظر: تفسير ابن المنذر (٢٠٠١): ص ٢/ ٧٩١.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٦١٠): ص ٣/ ١٠٠٢.
(٩) تفسير ابن المنذر (٢٠٠١): ص ٢/ ٧٩١.
(١٠) التفسير الميسر: ٩٠.
(١١) معاني القرآن: ٢/ ٧٧.
(١٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٤٤.


الصفحة التالية
Icon