والرابع: أن المُشّيَّد، بالتشديد: المُطَّول، وبالتخفيف: المجصَّص (١).
قال البيضاوي: قوله ﴿في بروج مشيدةؤ، أي: " في قصور أو حصون مرتفعة، والبروج في الأصل بيوت على أطراف القصور، من تبرجت المرأة إذا ظهرت" (٢).
وقرئ: {يدرككم﴾
، بالرفع، وقيل: هو على حذف الفاء (٣).
وقرئ: ﴿مشيدة﴾، من شاد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجص. وقرأ نعيم بن ميسرة ﴿مشيدة﴾، بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا كما قالوا: قصيدة شاعرة، وإنما الشاعر فارضها (٤).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨]، أي: " وإن يحصل لهم ما يسرُّهم من متاع هذه الحياة، ينسبوا حصوله إلى الله تعالى" (٥).
قال أبو العالية: " هذه في السراء" (٦).
قال السدي: " والحسنة: الخصب، تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم وتحسن حالهم، وتلد نساؤهم الغلمان. قالوا: هذه من عند الله" (٧).
قال الطبري: أي: " وإن ينلهم رخاء وظفر وفتح ويصيبوا غنيمة، [يقولوا هذه]: من قبل الله ومن تقديره" (٨).
قال الزمخشري: " المعنى: وإن تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله" (٩).
قال ابن عطية: أي: " وإن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من هزم عدو أو غنيمة أو غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله، لا أنه ببركة اتباعك والإيمان بك" (١٠).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، أي: " وإن يقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد ﷺ جهالة وتشاؤمًا" (١١).
قال أبو العالية: " فهذه في الضراء" (١٢).
قال ابن عطية: " أي هزيمة أو شدة جوع وغير ذلك، قالوا: هذه بسببك، لسوء تدبيرك، وقيل لشؤمك علينا" (١٣).
قال الطبري: أي: " وإن تنلهم شدة من عيش وهزيمة من عدو وجراح وألم، يقولوا لك يا محمد: ﴿هذه من عندك﴾، بخطئك التدبير، وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن الذين قال فيهم لنبيه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ (١٤) " (١٥).
قال الزمخشري: أي: " وإن تصبهم بلية من قحط وشدة أضافوها إليك، وقالوا: هي من عندك، وما كانت إلا بشؤمك، كما حكى الله عن قوم موسى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١]، وعن قوم صالح: ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ [النمل: ٤٧]، وروى عن اليهود- لعنت- أنها تشاءمت برسول الله ﷺ فقالوا: منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها، فرد الله عليهم قل كل من عند الله يبسط الأرزاق ويقبضها على حسب المصالح" (١٦).

(١) انظر: تفسير الطبري: ٨/ ٥٥٤، والنكت والعيون: ١/ ٥٠٩.
(٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨٥.
(٣) انظر: الكشاف: ١/ ٥٣٧.
(٤) انظر: الكشاف: ١/ ٥٣٨.
(٥) التفسير الميسر: ٢٦٧.
(٦) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٤٥): ص ٣/ ١٠٠٨.
(٧) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٤٦): ص ٣/ ١٠٠٨.
(٨) تفسير الطبري: ٨/ ٥٥٥.
(٩) الكشاف: ١/ ٥٣٨.
(١٠) المحرر الوجيز: ٢/ ٨١.
(١١) التفسير الميسر: ٢٦٧.
(١٢) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٤٧): ص ٣/ ١٠٠٩.
(١٣) المحرر الوجيز: ٢/ ٨١.
(١٤) [سورة النساء: ٧٧].
(١٥) تفسير الطبري: ٨/ ٥٥٥.
(١٦) الكشاف: ١/ ٥٣٨.


الصفحة التالية
Icon